يبدو أن الصراع الأمريكى الصيني على مستوى الحكومات والتراشق بينهما، والتهديد الأمريكى بقطع العلاقات مع التنين الصينى، انتقل صداه إلى المستوى الشعبى داخل جمهورية الصين التى يتعدى عدد سكانها المليار و400 مليون نسمة، فعلى غير عادة الشعب الصينى الذى لا يفضل التدخل فى أمور وقضايا الدول الأخرى، تفاعل المواطن الصينى مع أحداث وفاة المواطن الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد، خنقا تحت ركبة شرطي، وما تبعها من مظاهرات احتجاجا على العنصرية.
وسلط رواد موقع المدونات الصغيرة "ويبو" الأشهر في الصين "نظير فيس بوك وتويتر"، الضوء على ما أسموه بـ"المعاناة التاريخية لأصحاب البشرة السمراء في الولايات المتحدة"، وتساءل "نشطاء ويبو": أمريكا التي تطلق على نفسها "بلاد الحرية والقانون" لم تنجح في حماية الأقليات العرقية، مع تواصل التظاهرات الكبيرة على وفاة المواطن الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد، خنقا تحت ركبة شرطي، واصفين ما جرى بأنه "فعل عنصري"، عارضين مواقف عديدة قديمة لتعرض أمريكيين من أصول أفريقية وآسيوية لأفعال عنصرية.
ترامب
وأشار رواد "ويبو" في الصين إلى أن الاحتجاجات التي أخذت طابع العنف تؤشر على أن واقع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة ليس كما يراد له أن يصور. معتبرين أن هذه الحقوق "شعارات" لا أساس لها على أرض الواقع، تتخذها أمريكا، عبر سنين طويلة، وختلف الإدارات الديمقراطية والجمهورية، كحجة للتدخل في الشئون الداخلية للدول، وخلق مزيد من الفوضى وزعزعة الاستقرار في عالم تتزايد أزماته وتحدياته. وقالوا إن حادثة جورج فلويد أظهرت تعامل الولايات المتحدة مع العالم بأسره.
وكشف المغردون الصينيون تفاقم الأزمة الحالية إلى عدة أسباب أهمها تعامل الرئيس الأمريكى معها من خلال حسابه عبر "تويتر" والتي كانت تروج برأيهم للعنف وفكرة تفوق العرق الأبيض، مثل "عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار". وسبب آخر يرتبط بعقود من عدم المساواة وتهميش السود.
وقال أحد المقيمين الصينيين بنيويورك، إن هناك عوامل كثيرة موجودة في الولايات المتحدة من السهل إحداث انفجار اجتماعي خصوصا في الوقت الحالي، منها معدلات البطالة العالية، وعدم المساواة الصحية والاقتصادية بين مختلف الأعراق، وإساءة استخدام العنف من قبل أفراد الشرطة.
مظاهرات أمريكية
وفي هذه الأثناء، حثّت الصين الولايات المتحدة على معالجة مشكلة العنصرية وحماية حقوق الأقليات، حيث قال المتحدث باسم الخارجية تشاو لي جيان "الصين تميز بين الصواب والخطأ، ونعارض التمييز العنصري على الدوام، ويجب عدم تطبيق أي معايير مزدوجة بشأن هذه القضية".
"هونج كونج"
وعلى مدى الأيام القليلة الماضية شهدت منصات مشاركة المقاطع المصورة القصيرة تفاعلا كبيرا، على موقع ويبو، لمشاهد عنف الاحتجاجات وعمليات السلب والنهب ومهاجمة الشرطة وإضرام النيران في الممتلكات العامة، في محاولة لعقد مقارنة بين الأحداث التي عانتها منطقة هونج كونج الإدارية الخاصة، ووصف ترامب للمتظاهرين في بلاده باللصوص والبلطجية، وتهديداته بنشر الجيش لقمع الاحتجاجات.
ووصف المعلقون الأمر بالمثير للسخرية حيث تعهدت الإدارة الأمريكية بالرد بقوة على المحتجين، وفي نفس الوقت تّتهم شرطة هونج كونج بانتهاك حقوق الإنسان وهي تؤدي واجبها في التصدي لمثيري الشغب.
تذكر أحد المتفاعلين تصريح رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي العام الماضي، عندما قالت "مظاهرات هونج كونج مشهد جميل يستحق المشاهدة". معلقا على هذه الجملة "استمتعي الآن بهذا الجمال من النافذة"، وأضاف أن تصميم الصين على تطبيق سياسة "دولة واحدة ونظامان" لن يتزعزع، بينما تصميم الولايات المتحدة على لعب سياسة "دولة واحدة ومعياران" لن يجلب إلا الشر والبلاء عليها.
ترامب والأنجيل
كان ترامب قد هدد مؤخرا بإلغاء الوضع التجاري الخاص لهونج كونج مع الولايات المتحدة بسبب قانون الأمن القومي الذي أقرته بكين خلال جلستها السنوية الثالثة للمجلس الوطني الثالث لنواب الشعب الصيني، وذلك بعد مشروع قانون وقعه ترامب نوفمبر العام الماضي يدعم متظاهري هونج كونج.
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينج قد استخدمت عبارة "لا أستطيع التنفس" في تغريدة نشرتها على تويتر، ردا على نظيرتها الأمريكية مورجان أورتاجوس بعد انتقاد الأخيرة تحرك الصين لفرض قوانين أمنية على هونج كونج.
"الصراع الداخلى"
وأفردت وسائل الإعلام الصينية المحلية مساحات، عن الوضع الأمريكى، حيث يرى خبراء صينيون أن الوضع السياسي المنقسم جعل الدبلوماسية الأمريكية في وضع أكثر صعوبة، فمشاهد التعامل مع المظاهرات والمشاكل المجتمعية أظهر الوجه الحقيقي لواشنطن. معتبرين أن السياسيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لم يستطيعوا تجاوز الانقسام وإحداث تغيير حقيقي يضمن حياة أفضل لأبناء الشعب، وبشكل خاص بعد حادث جورج فلويد.
وأشاروا إلى وجود خلل حقيقي في وضعية "السود" داخل المجتمع الأميركي، لم يغيره وصول باراك أوباما للحكم. فجميع القوانين التي تتحدث عن المساواة، إلا أن حادثة جورج فلويد أظهرت غير ذلك.
وتسبب مقتل فلويد الأربعيني الأمريكي من أصول أفريقية، في 25 مايو الماضي بعد أن ضغط أحد الضباط بركبته على عنقه لأكثر من 9 دقائق احتجاجات عارمة، انطلقت من مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، ثم امتدت إلى واشنطن ونيويورك وأكثر من 140 مدينة أمريكية أخرى، فى الوقت الذى تعانى منه الولايات المتحدة بشدة من جائحة كورونا بأكثر من 108 آلاف وفاة، ونحو مليوني إصابة مؤكدة، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الناتجة عن إغلاق البلاد.