مريضٌ نفسي اسم مجرد سماعه نُصاب بالرعب والفزع، ويتطاير إلى الذهن أن شخصا سيقبض الرقبة بكفه ولن يتركنا إلا والروح لخالقها قد صعدت، أو شخص وُلد ليُلقى في مستشفى ويُعامل بالدواء والعقارات ويُقيد بالسلاسل ولا يُعامل كما يُعامل البشر، والحقيقة أن المريض هذا ممكن يكون أنت!!! أنا، رفيقك، مدير عملك، بل أن بعض المبدعين في العالم والمؤثرين فيه هم مرضى نفسيين! ولا يرغب أحد في علاجهم، بل وحجب العلاج عنهم؛ فإبداعهم وتأثيرهم في العالم مرتبط بمرضهم النفسي، وإن عولجوا منه ضاع هذا الإبداع، وذاك التأثير! ولكنهم في النهاية مرضى نفسيين، بالنهاية مرضى، وإن حُجب عنهم العلاج سيظل المرض يأكل فيهم حتى يفنيهم، فهو كالمخدر يعطي دفعة في البداية للجسم لينتج إنتاج وحشي، ثم يأكل فيه حتى يفنيه.
إذن المرض النفسي منتشر بشكل بشع، وكثير منا معرض أن يُصاب به إن كان له جاهل، وممكن أن يُصيب به أحد عن جهل! وهذا ما نود التحذير منه، أنت بلا وعي منك تصنع مريضا نفسيا، وطالما كان الإنجاب عبئا لزاما أن نقوم بحقه، فكان واجبا التنويه عنه بما نستطيع، وهذا المقال هو إكمال لما سبق؛ مساعدتك لابنك في ارتداء ملابسه بعد الخامسة تصنع منه شخصا اعتماديا مهزوز الثقة، وأيضا تركك له يخدم نفسه بنفسه يمكن أن يؤذيه بدنيا وجسديا، ولكن يمكنك جعله الاعتماد على الذات وأنت خلف الستار تراقب حتى تنقذه إذ عجز عن دفع الخطر عن نفسه، وأيضا تمنحه الشعور بالأمان.
ذمك لابنك أمام الجمع بحجة دفع الأعين عنه تخلق منه -بلا وعي منك – شخصا مهدور الجهد، أو شخص تُختصر قيمته فيما تنتج، فتكون الدنيا في عينه مشروطة؛ أي افعل كذا لتنال كذا، وإن فعلت كذا فستكون عندي كذا، وهذا خطأ فادح؛ فالأهل وحدهم هما من يحبان أبنائهما حبا غير مشروط، ولكن بلا وعي منهما يوصلان لأبنائهما أنهما يحبهما حبا مشروطا، وهذا يخلق من الطفل شخصا ماديا لا يحب شيء إلا لغرض أو قيمة فهذا يُهّدر القيم المعنوية عنده؛ هذا لأن الأباء سعا لتفوق ابنهما وهو ينتظر الحفاوة ممن حوله- أقاربه وأهله، خارج نطاق أبويه- وإذ بالأبوين يرفضان الاعتراف بما سعى لفعله لينال الحفاوة بين الأهل بحجة دفع العين، فيرى جهده مهدورا وقيمته في درجاته، ولكن بدلا عن هذا عانقه واهمس أحبك بكل شيء بني! سواء كنت متفوقا أم لا، ولكني واثقا أنك غدا ستصبح شخصا فخرا لك ولبلدك، وإياك! تحديد مجال معين، اتركه يختار ما يناطح فيه النجوم، واجلس مع الأقارب الق شكرا وعرفانا لابنك بلا إفراط ولا تفريط، فستجد بعد هذا شخص يسعى لتجدد هذا الشكر بين الناس، فالجميع يسعى إلى أن يُرى في أعين الناس متفوقا، حتى أنت وأنت ابن السبعين مثلا.
وعدك لابنك بشيء ولو كان جنيها أو شيء بقيمته، وإخلافك لهذا يُفقده الشعور بالأمان، والسد المنيع الذي لا يخور به، فاعد ابنك بقرش واعطيه هذا ولو كان هذا أخر ما تملك، ولا تعده بشيء لا تملكه، وأيضا إعطاءه كل شيء يطلبه يخلق منه شخص مترف غير مسؤول، ولكن هذا غير ذاك، لا تعده بشيء لا تملكه، واعطيه ما وعدته به، ولا تعطيه من الماديات كل ما يطلبه حتى وإن كان في استطاعتك، لتصنع منه وهو صغير شخص يعلم الظروف وكيف له تحملها وتخطيها، لكن حفه بالرعاية وقربك ووجودك الدائم في حياته؛ فهو يحتاجك أكثر من مالك، فأغنى الأطفال رفيق أبويه.
ولنا لقاء في مقال آخر نسرد فيه الحديث عن أخطاء أخرى إن شاء رب الخلائق والعبيد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة