تسببت وفاة مواطن أمريكى أسود يدعى جورج فلويد على يد شرطى أمريكى، فى انتفاضة كبيرة من الأمريكيين ضد السياسات العنصرية التى تنتهجها ضد الموطنون السود، ورغم أزمة تفشى فيروس كورونا المستجد، لم يوقف الوباء الأمريكيين عن التعبير عن غضبهم كما لم يعطلهم عن انتفاضتهم ضد ممارسات السلطات الأمريكية، ويبدو أن انتشار الأوبئة ارتبط فى بعض الأحيان بالثورات والانتفاضات الشعبية التى رغم إنها كانت وقت انتشار أوبئة فتاكة حصدت الكثير من أرواح البشر، إلا أن الناس لم يتوقفوا عن المطالبة بحقوقهم.
وتقول سوزان واد أستاذة تاريخ العصور الوسطى الأوروبية بكلية كين الأميركية؛ إن وباء الطاعون أسهم فى تثوير الفلاحين الإنجليز عام 1381، وترى الأكاديمية المقيمة بأميركا أوجه تشابه مثيرة للاهتمام بين ما يجرى حاليا من احتجاجات فى أميركا إثر قضية فلويد، وانتفاضات القرن 14 فى بريطانيا، التى وصفت إحداها بأنها أول ثورة شعبية كبرى فى تاريخ إنجلترا.
انتفاضة ضد اليهود
ومع عجز المعالجين فى القرن الرابع عشر عن تفسير سبب الطاعون عزاه الأوروبيون إلى القوى الفلكية والزلازل وتسميم اليهود للآبار لم يعتبر أحد فى القرن الرابع عشر أن السيطرة على الفئران وسيلة ممكنة لدرء الطاعون، وبدأ الناس يعتقدون أن غضب الاله وحده يمكن أن ينتج مثل هذه المظاهر المرعبة، وكانت هناك العديد من الهجمات ضد الجماعات اليهودية ففى فبراير 1349، قتل 2000 يهودى فى ستراسبورج.
ثورة الفلاحين فى انجلترا
كانت حصيلة القتلى من الطاعون فى القرن 14 كارثية، ويقدر أن ما بين ثلث ونصف سكان أوروبا ماتوا خلال تفشى المرض الأول، وأدت الخسائر الفادحة فى الأرواح إلى نقص هائل فى العمالة، وتصف السجلات القديمة حقول إنجلترا الخاوية والقرى الخالية والماشية من دون أصحابها وهى تجوب ريفًا فارغًا.
فهم العمال الناجون الإنجليز قيمتهم المكتشفة حديثا، وبدؤوا الضغط من أجل أجور أعلى، حتى أن بعض الفلاحين بدؤوا البحث عن عمل أكثر ربحًا من خلال ترك الإيجار الإقطاعي، مما يعنى أن الفلاحين شعروا بحرية ترك العمل لدى ملاك الأراضي.
وبدل الاستجابة للمطالب، قام الملك إدوارد الثالث بالعكس تمامًا؛ ففى عام 1349 قام بتجميد الأجور عند مستويات ما قبل الطاعون، وسجن أى مزارع أو عامل ترك عمله من دون سبب، وضمنت هذه القوانين أن نخبة الملاك وأصحاب الأراضى سيحتفظون بثرواتهم.
انهيار الطبقات الاجتماعية
وبالرجوع إلى تاريخ تفشى المرض فى إسبانيا القرن العشرين، يظهر كتاب "الإنفلونزا الإسبانية.. السرد والهوية الثقافية فى إسبانيا 1918" لمؤلفه ريان ديفيس كيف أن السياسيين والأطباء والصحفيين سعوا إلى السيطرة على الأشخاص غير المهتمين بالنظافة الصحية من خلال ممارسة "الدكتاتورية الصحية".
وفى تقريره الذى نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، قال الكاتب ريتشارد باور سيد إنه فى منتصف القرن 14 قتل "الموت الأسود" ربما ثلث سكان أوروبا، ما عجل بانهيار هرم الطبقات الاجتماعية الصارم، أو ما نسميه الآن "النظام الإقطاعي"، بشكل مثير للدهشة، وأفاد الكاتب بأن الاحتجاجات والانتفاضات المحلية ضد ملاك الأراضى حدثت من قبل، إلا أنها أصبحت بعد "الموت الأسود" أكثر شيوعا، وكانت ثورة الفلاحين عام 1381 أكبر الاحتجاجات التى حدثت، لكنها أُحبطت فى نهاية المطاف.
ففى جليقية (جاليسيا الإسبانية) رافقت الشرطة الأطباء أثناء زياراتهم منازل السكان، وأُسست مجالس عسكرية شبابية فى مرسية للتنديد بمخالفات الصحة العامة.
وساهمت هذه العسكرة فى إرساء الأسس الاجتماعية للدكتاتوريات التى حكمت إسبانيا لاحقا، إلى جانب إضعاف الحركات الاشتراكية والفوضوية الثورية فى البلاد حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
الإصلاحات السياسية فى زمن الإنفلونزا الإسبانية
وفى بداية القرن العشرين، ازدادت حدة الغضب الذى ولّده هذا الوضع، أولا بسبب فشل الطبقات الحاكمة فى أوروبا فى الحرب العالمية الأولى، ثم بسبب وباء آخر، وهو الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، الذى أودى بحياة عشرات الملايين.
وفى العديد من البلدان المتضررة من الوباء، طالب النشطاء والإصلاحيون بالتغيير، وبذلت الحكومات جهودا فى مجال الصحة العامة. وتمثلت النتيجة النهائية فى تحقق المرحلة الأولى من بناء دولة الرفاهية فى جميع أنحاء العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة