لا نزال نواصل قراءة مشروع الكاتب المصرى الكبير مصطفى لطفى المنفلوطى، ونتوقف اليوم عند كتاب "الشاعر" للكاتب الفرنسى ادمون روستان الذى أعاد مصطفى لطفى المنفلوطى صياغة ترجمته بأسلوبه البديع.
يقول الكتاب: لم يكن الحب عند "سيرانو دى بيرجراك" مجرد كلمة جوفاء أو ابتسامة باردة، بل هو التضحية فى أسمى صورها، فبينما كان يُحبُّ ابنة عمه "روكسان"، إلا أنه ظن أن أنْفَه الكبيرة تمنع "روكسان" من أن تُبَادلهُ الحُبَّ، لذا لم يصارحها بحُبِّهِ، وظل يكتمه فى فؤاده، وضَحى بأغلى شيء فى حياته من أجل إسعادها، ولم يَعدم الحيلة فى أن يزوجها من "كرستيان" الذى اختارته حبيبًا، وظنت أنه أذكى وأشجع إنسان بفضل حيلة "سيرانو"، بل واتخذه "سيرانو" صديقًا مقربًا، ولم تعلم "روكسان" بما فى قلب "سيرانو" إلا وهو على فراش الموت.
تقول مقدمة الرواية:
أطلعنى حضرة الصديق الكريم الدكتور محمد عبد السلام الجندى على هذه الرواية التى عرَّبها عن اللغة الفرنسية تعريبًا حرفيًّا، حافظ فيه على الأصل محافظةً دقيقة، وطلب إلى أن أهذِّب عبارتها ليقدِّمها إلى فرقةٍ تمثيلية تقوم بتمثيلها ففعلت، واستطعت فى أثناء ذلك أن أقرأ الرواية قراءة دقيقة، وأن أستشف أغراضها ومغازيها التى أراد المؤلف أن يُضمِّنها إيَّاها، فأعجبنى منها الشيء الكثير، وأفضل ما أعجبنى منها أنها صَوَّرت التضحية تصويرًا بديعًا، وهى الفضيلة التى أعتقد أنها مصدر جميع الفضائل الإنسانية ونقطة دائرتها، فرأيت أن أحوِّلها من القالب التمثيلى إلى القالب القصصيِّ؛ ليستطيع القارئ أن يراها على صفحات القرطاس كما يستطيع المشاهد أن يراها على مسرح التمثيل.
وقد حافظت على روح الأصل بتمامه، وقيدت نفسى به تقييدًا شديدًا، فلم أَتَجَوَّزْ إلا فى حذف بعض جُملٍ لا أهمية لها، وزيادة بعض عبارات اضطرتنى إليها ضرورة النقل والتحويل، واتساق الأغراض والمقاصد، بدون إخلالٍ بالأصل أو خروج عن دائرته، فمن قرأ التعريب قرأ الأصل الفرنسى بعينه، إلَّا ما كان من الفرق بين بلاغة القلمين ومقدرة الكاتبين، وما لا بد من عُروضه على كل منقولٍ من لغة إلى أخرى، وخاصةً إذا قيَّد المعرِّب نفسه، وحبس قلمه عن التصرف والافتنان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة