الجارديان: حرب مائية وشيكة ..تفاقم الانقسامات بسبب سد النهضة

الثلاثاء، 16 يونيو 2020 10:44 م
الجارديان: حرب مائية وشيكة ..تفاقم الانقسامات بسبب سد النهضة سد النهضة
كتبت رباب فتحى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

سلطت صحيفة "الجارديان" البريطانية الضوء على القلق المتنامى حيال استمرار إثيوبيا فى بناء سد النهضة والذى يهدد بعض الدول بحرمانها من حصتها من مياه النيل.

 

وقالت "من مكتبه في وسط الخرطوم، يستعد أحمد المفتي كل يوم لما يعتقد أنه حرب مياه تقترب، هذا الاعتقاد دفع المفتي، محامي حقوق الإنسان البارز والخبير في مجال المياه، إلى الانسحاب من الوفد السوداني الذي يتفاوض على مسائل مياه النيل مع مصر وإثيوبيا".

 

وشرحت الصحيفة أن المفتي  كان غاضبا من قرار إثيوبيا المتعلق ببناء «سد النهضة الإثيوبي العظيم»، وهو مشروع ضخم تبلغ تكلفته 4.5 مليار دولار (3.6 مليار جنيه إسترليني) على النهر الأزرق الذي يجري من بحيرة تانا في إثيوبيا ليلتقي بالنيل الأبيض في الخرطوم، حتى يتدفق شمالا في مصر. ومشروع السد سيؤثر في مستويات المياه في المصب، اعتمادا على سرعة ملء إثيوبيا لخزانها الذي تبلغ سعته 74 مليار متر مكعب.

 

وقال المفتي جازما: "أعتقد أنه في خلال عام واحد أو عامين أو 10 أعوام أو مائة عام، سيتسبب هذا في عدم استقرار في المنطقة. هذه بذور عدم الاستقرار، وسوف يسفر عنها حرب على المياه".

 

وأضاف: "إن لم يكن في عهد هذه الحكومة، سيكون في ظل حكومة أخرى، إذ لن يرى شعب نفسه يموت عطشا وهو يعلم أن هناك مياه قريبة جدّا منه. هذا كان موقفي عندما غادرت، وفي كل يوم منذ ذلك الحين أجد مزيدا من الأدلة التي تدعم هذا».

 

وأشارت "الجارديان" إلى أنه من المزمع أن تبدأ إثيوبيا في ملء خزان السد في وقت لاحق من هذا العام، بعد عَقدٍ من مفاوضات مشحونة بين بلدان حوض النيل. وفي مطلع أبريل، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أن بناء السد سيكتمل على الرغم من تحديات جائحة فيروس كورونا، وسيمتلئ الخزان أثناء موسم سقوط الأمطار الذي يبدأ في يونيو . «إنقاذ الأرواح أولويتنا، بينما يأتي سد النهضة في المرتبة الثانية»، هكذا قال للإثيوبيين.

 

من جانبه، اقترح رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، «إدارة مشتركة» للسد، الذي سيستنزف مياه السودان من النيل الأزرق، مع احتمالية توفير الكهرباء زهيدة الثمن التي تشتد الحاجة إليها في المستقبل. ومع ذلك، لطالما نظرت مصر، إلى السد على أنه تهديد وجودي يمكن أن يحرم سكانها البالغ عددهم 100 مليون نسمة من المياه التي يحتاجون إليها للبقاء في مناخ متغير، حتى إن بعض المسؤولين المصريين ناقشوا تفجير السد. وتقول إثيوبيا والسودان إن طاقة السد الكهرومائية ضرورية لنماء مواطنيهما وازدهارهم.

 

ويستدرك المفتي، تضيف "الجارديان"،  ممسكا بمسبحة أثناء حديثه: "أعتقد أنه في غضون عام واحد من ملء خزان السد، ستبدأ مواطن الضعف في الانكشاف. وأضاف "هذا السد يُعرِّض حقَّيْن للخطر – وهما حق الحياة وحق العمل". كما يخشى أن يتعرض السد نفسه لمخاطر الانهيار، موضحا "سيكون هناك نقص في المياه، والافتقار إلى سلامة السد يتنافى مع حق الإنسان في الحياة بالنسبة للشعب السوداني".

 

المفتي غادر الوفد السوداني المعني بالمباحثات عام 2010 بعد أن أعلنت إثيوبيا أنها ستستمر في البناء. والآن، بالإضافة إلى عمله في مجال حقوق الإنسان، يقضي أيامه وهو يجوب أنحاء المجتمعات الزراعية لتحذيرها من مخاطر السد، ويعمل على نشرة إخبارية تتابع تطورات السد بتفاصيلها الدقيقة. كما ألَّف العديد من الكتب عن هذا الموضوع. ويعرِّج المفتي قائلا «هذا (الكتاب) يُقصَد منه أن يكون سجلّا، وبالتالي عندما تسوء الأمور يمكنني أن أقول إن المعلومات كانت هنا»، ضاغطا على كتاب ورقي الغلاف على مكتبه الكبير.

 

مفاوضات سد النهضة المتعثرة

وفي يناير، بلغت المناقشات المحتدمة بين الدول الثلاثة ذروتها في واشنطن. ضمنت المباحثات ذات الوساطة الأمريكية اتفاقا مبدئيّا بين الدول الثلاثة، بما في ذلك تفاهم على أنه ستجري عملية ملء تدريجي في موسم الأمطار.

وأوضحت البلدان الثلاثة أيضا أنها تحتاج إلى التوصل إلى اتفاق بشأن المراحل التالية، وتحديدا حول المسألة الشائكة المتعلقة بكيفية الإدارة أثناء المواسم الجافة. ويتوقف الكثير على النيل الأزرق الذي تأثر بالمناخ المتغير.

وعندما عادت مصر والسودان إلى واشنطن للتفاوض والتوقيع على الاتفاق النهائي في فبراير، رفض المفاوضون الإثيوبيون الحضور، مشيرين إلى أنهم كانوا في حاجة إلى مزيد من الوقت لدراسة الأمر. وقال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إن الاتفاق النهائي بشأن سد النهضة يمكن أن يستغرق «أشهرا» لحسمه.

أن موقف إثيوبيا أجج حربا كلامية متصاعدة، إذ اتهمت مصر أديس أبابا «باعتزامها ممارسة هيمنة مائية»، وأثارت القضية في جامعة الدول العربية ومع ترامب. وادَّعت إثيوبيا أن الرئيس الأمريكي كانت لديه «معلومات غير دقيقة وغير كافية» عن القضية، بينما أجرى وزير الخارجية المصري جولة شرق أوسطية لحشد الدعم. وحاولت مصر مرارا وتكرارا استمالة السودان إلى موقفها من السد، حتى إنها اتخذت خطوات لإنهاء نزاع على الحدود دام عقودا.

تأمل السودان أن يوفر السد كهرباء زهيدة الثمن، وحاولت منذ مدة طويلة تحقيق توازن بين مصر وإثيوبيا، وحضرت المباحثات في واشنطن لكنَّها رفضت التوقيع على بيان جامعة الدول العربية الذي يدين إثيوبيا. وينظر المفتي إلى موقف السودان على أنه سعي عقيم، مشيرا إلى إعلان المبادئ الذي وقعت عليه الدول الثلاثة عام 2015.

يقول المفتي غاضبا: «ما يعنيه هذا أنه إذا كان هناك فائض، فقط إذا حدث ذلك، فإن بلدان المصب مثل السودان ستحظى بأولوية شرائه. ليست هناك كمية محددة، ولا أسعار، ولا أي شيء! ويُتَوقَّع أن يبلغ التوليد المحتمل 6 آلاف ميجاوات، لكن المهندسين يقولون إن الإنتاج في البداية لن يتجاوز ألفي ميجاوات، وبالتالي لن يكون هناك فائض على الإطلاق. وإذا كان هناك فائض، سيباع بأسعاره العادية. والآن تزود مصر السودان بالكهرباء».

يعتقد المفتي أنه في النهاية، انتصرت السياسات الإقليمية، وبيع للسودان كذبة الطاقة زهيدة الثمن. وأضاف «هذا ما جرى بيعه للشعب السوداني؛ وهو ليس صحيحا».

 

أراضي السودان الجافة

على ضفة النهر الأزرق، يشير المزارع عبد الله علي إلى النهر. المياه لا تغطي مجراه، مما يكشف خطّا عريضا من الأرض الرملية البنية. وقد مد علي مضخة من مزرعته الجافة للوصول إلى بعض مياه النهر بالقرب من الضفة، لكنه قريبا سيتعين عليه مدَّها أكثر بكثير.

«مستوى المياه منخفض – حتى اليوم»، بحسب ما يقول علي الذي شبَّ مزارعا ويبلغ من العمر الآن 65 عاما، لكن هذا أمر جديد. يضيف علي: «لم تكن الأمور بهذه الحالة السيئة من قبل، ففي هذا الوقت من العام الماضي، كانت المياه وفيرة».

 

ويقدم النيل الأزرق بحسب التقرير صورة مرعبة للأزمة المناخية؛ ليس فقط على موارد السودان المائية، ولكن على المنطقة بأكملها. يمشي علي على تربة متشققة مشيرا إلى ما تبقى من المحاصيل بعصاه، بينما يتطاير جلبابه الأبيض الطويل في الهواء.

 

وفي حين تتجادل السودان ومصر وإثيوبيا حول مياه حوض النيل، تلوح الأزمة المناخية في الأفق. ويريد علي أن يحافظ النهر على محاصيله، التي ظهر بها هذا العام مزيدا من البرسيم الحجازي، نظرا إلى أنه يمكن أن ينمو في المناطق الجافة. لكنَّ هذا يعني قليلا من الأرباح؛ إذ لا يحقق البرسيم أرباحا كأرباح الطماطم والبامية التي يبيعها في الخرطوم. أيضا، يشير نقص المياه إلى الحاجة للمال من أجل شراء مضخة تعمل بالديزل لري الأراضي.

 

يعلم علي أن مجرى النهر المكشوف يعني أن مجتمعات دول المصب ستعاني من الجفاف، وكانت مستويات المياه منخفضة للغاية، إلى حد اقتناع علي بأن السلطات الإثيوبية بدأت ملء خزان سد النهضة، مما أسفر عن نقص التدفق في النهر الأزرق. «أظن أن السد يؤثر فينا هنا»، هكذا قال، مكررا مخاوف مزارعين محليين آخرين.

إن نقص المياه يشرد الناس بالفعل. «أعلم أن هناك مزارعين تخلَّوا عن أرضهم وانتقلوا للعمل مع مزارعين آخرين يمكنهم تحمل نفقات المضخات»، على حد تعبير علي، الذي يخشى من المصير ذاته إن لم يستطع مجاراة التكاليف المتزايدة.

أضاف علي بمرارة: "لم تفتر قوانا أبدا كما في هذا العام. ومع كمية المياه هذه، كيف يمكنني أن أزرع؟ نحن لا نتوجه إلى الحكومة للحصول على الحل".

 

وفي أعلى الضفة، كان مزارع القطن حسن خلف الله فخورا بمحصول هذا العام، لكنه قلقٌ بشأن العام التالي. أصبحت مزارعه التي ينبت فيها القطن تخشخش في مهب الريح، مع براعم بيضاء تمتد إلى السماء الزرقاء الصافية.

 

وقال خلف الله ، أنا قلق على السودان، انا لست قلقا من المياه الآن  لكنني سأكون كذلك في المستقبل".

 

وكان خلف الله قد لاحظ بالفعل أنماطا مناخية متغيرة ومستويات مائية منخفضة في قنوات الري. وعلى ضفاف القناة الرئيسية التي توفر المياه لمزارعه، يقول: انظر – هناك القليل من المياه في القناة. ونتوقع أنه بعد مرور أبريل، لن يكون هناك حتى ما يكفي من المياه".

 

القليل من الماء مقابل الطاقة الكهرومائية

ومع ذلك، فإن مفاوض السودان في ملف سد النهضة، صالح حمد حامد، المسؤول في وزارة الري والموارد المائية، واثق من أن البلاد يمكنها تحمل بعض خسائر الموارد المائية بينما تجني ثمار الطاقة الكهرومائية زهيدة الثمن.

وفي تصريح للجارديان، قال حمد: «إن السودان يسعى إلى تأمين حقوقه المائية وتحقيق أفضل استفادة من مياه النيل الأزرق المشتَرَكة. المقترح السوداني يعظم من توليد الطاقة من السد – وهو هدف إثيوبيا – ويقلل من الضرر أثناء عمليتي الملء والتشغيل على بلدي المصب، السودان ومصر».

 

وأكَّد حمد أن البلدين «اتفقا على جدول زمني للملء على سبع مراحل. وهذا يمكن أن يزيد على سبع سنوات أو ينقص»، وذلك بحسب نوبات الجفاف ومستويات المياه، مما يسفر عن تمديد الجدول الزمني إذا كانت مستويات مياه النهار الأزرق أقل من المتوسط.

 

وتابع أن هناك حاجة إلى جدول زمني مشتَرَك للملء، نظرا إلى أن السد سينشئ خزانا يبلغ حجمه ضعفي حجم سد هوفر في بحيرة ميد، وهو أكبر خزان في الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى نقص تدفق النيل الأزرق إلى ما يصل إلى 25% ونقص محتمل في توليد طاقة السد العالي في مدينة أسوان بمصر.

وبينما تطرق الاتفاق المبدئي إلى فترات جافة محتملة، كانت هناك إشارة طفيفة للغاية لتغير المناخ، وهو تهديد لا يمكن إنكاره على الموارد المائية. داعمو السد السودانيون يقولون إن موسم الأمطار السنوي الذي يساعد في فيضان النيل يوفر ماء أكثر من اللازم. وفي نظرهم، يمتلك النيل الأزرق والسودان مياها إضافية، يمكن مقايضتها مقابل الكهرباء المولدة عن طريق المياه.

 

لكن الدراسات تشير إلى أن بلدان حوض النيل ستكون عرضة لفترات جافة أطول. وكان علماء من الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي قد حذروا من أنه «على الرغم من الزيادات المتوقَّعَة في عمليات الهطول الإقليمية بسبب تغير المناخ، فإن تواتر السنوات الحارة والجافة من المرجح أيضا أن يرتفع بسبب ارتفاع درجة الحرارة. هذه الزيادة المتطرفة في الاحترار والجفاف ستشكل ضغطا على الزراعة الإقليمية، ومع اقترانها بنمو السكان السريع، ستؤدي إلى تفاقم ندرة المياه في جميع أنحاء منطقة أعالي حوض النيل في العقود المقبلة».

اثنان من أولئك العلماء، وهما إيثان كوفيل وجوستين مانكين، دقَّا ناقوس الخطر بشأن مدى تعرض الناس للخطر.

«في الوقت الحالي، يواجه نحو 10% من سكان الحوض ندرة مزمنة في المياه بسبب الجفاف الموسمي بالمنطقة وتوزيع الموارد المائية غير المتكافئ للغاية»، على حد تعبيرهما. والمياه، هي بالفعل مورد نادر في أجزاء من دارفور ومناطق صحراوية أخرى في السودان، مع احتمالية تفاقم صراع على المورد الثمين بسبب تغير المناخ.

حذر كوفيل ومانكن من أنه بحلول عام 2040، يمكن أن يواجه نحو 35% ممن يعيشون في بلدان حوض النيل ندرة في المياه، وهو ما يعني أن «أكثر من 80 مليون شخص سيعيشون بدون مياه كافية في حياتهم اليومية».

 

وعلى أرض نادي فينتي للجولف خارج الخرطوم مباشرة، تبدو المخاوف بشأن المياه بعيدة المنال، إذ ترش رشاشات المياه العشب، المحاط بمشاتل زهور خضراء، وبحيرات صناعية مطوَّقَة بنخيل وممتلئة بأسماك الشبوط وتغطيها العديد من النافورات.

يقول مالك تانتزب، أسامة داوود عبد اللطيف: «هذه كلها مصارف، وبالتالي فإن أي فائض من المياه يذهب مباشرة داخل الجدول المائي»، مشيرا إلى شبكة في العشب في مختلف أرجاء المجرى الذي يبلغ 120 هكتارا (1.2 كيلومتر مربع).  إن عبد اللطيف هو أشهر أثرياء السودان، ويدعم مشروع سد النهضة.

 

بينما تنطلق عربة الجولف عبر البِرَك الطينية الموجودة على مسارات حول المجرى، يشير عبد اللطيف إلى مناطق مخصَّصَة للإسكان الخاص. ورفض عبد اللطيف الإفصاح عن كمية المياه التي يستخدمها المجرى، مُصِّرا على أن الغالبية العظمى من المياه يُعاد تدويرها.

وأضاف «انظر إلى كمية المياه وتأثير امتلاك منطقة خضراء. أعني، لماذا يحافظ الناس على الغابات؟ إنها رئة المدينة. المدن ستختنق إن لم يكن هناك مناطق خضراء».

 

لكن بالنسبة لأحمد المفتي، والمزارعين الذين يبقون أعينهم ساهرة على مياه النهر المنحسرة، فإن التهديد أكبر بكثير من ملاعب جولف الخرطوم».

 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة