منذ تفشى وباء كورونا فى مصر، منتصف شهر فبراير الماضى، رأينا بعض المشاهد التى لم نكن نتخيل أبداً أن تظهر فى مجتمعنا المصرى الذى يتصف بعادات وتقاليد التكاتف والتآزر فى أوقات الشدة والمحنة، ولعل أبرز هذه المشاهد القاسية ما رأيناه من رفض بعض أهالى المتوفين بفيروس كورونا استلام جثامين ذويهم، أو رفض بعض أهالى القرى دفن الموتى المتأثرين بالفيروس فى مقابرهم.
لكن هذه المشاهد لم تكن استثناءً ولم تكن تمثل أبداً القاعدة، فالمروءة والشهامة والوقوف بجانب الضعيف والمحتاج هى السمة التى تميز مجتمعنا المصرى، لا سيما فى القرى والأرياف، ولعلنا وبعد مرور عدة أشهر على تفشى هذا الوباء وازدياد أعداد المصابين به وأعداد المتوفين المتأثرين بأصابتهم بالفيروس اللعين، بدأت مشاهد التكافل المجتمعى تطفو على السطح، لتشكل هذه الجهود المجتمعية تكاملاً مع المجهود الذى تبذله الدولة الرسمية فى مواجهة هذه الجائحة
.
من أبرز هذه المشاهد، التى تمثل المعدن الأصيل للمجتمع المصرى، وتضرب مثالاً شديد الأهمية على أن الخير لا ينقطع بين أبناء هذا الوطن، هى المبادرة المجتمعية "أهالينا" التى أطلقتها أميرة عادل ومحمد جمعة، لخدمة المصابين وأهاليهم المعزولين من غير القادرين، أو ممن لا يتوفر لديهم من يستطيع القيام على خدمتهم خلال فترة العزل.
على الرغم من تضررهما بسبب هذا الفيروس الذى تسبب فى إغلاق مشروعهما "كافيه"، قررت أميرة ومحمد استغلال "الكافيه" المُغلق كمقر آمن لمبادرتهما، حيث يتم تجهيز وجبات الأطعمة والفواكهة، وتجميع الأدوية والمطلبات الصحية، لتوزيعها على المصابين أو المعزولين بالمنازل.
تقول أميرة عادل "27 عام" لـ "اليوم السابع" إنها شكلت رفقة شريكها محمد جمعة "26 عام"، ما يشبه بفريق بحث للتحرى والتقصى عن الحالات المصابة التى لا يتوفر لها الرعاية المنزلية الكافية، أو المعزولين من المخالطين للمرضى، وغير قادرين على تلبية الاحتياجات المعيشية، وعمل قائمة بأسمائهم وتوصيل الاحتياجات من مأكل ودواء بصفة يومية لهم.
كانت شرارة الفكرة، بتغريده بدأتها أميرة عبر حسابها الشخصى على موقع "تويتر" لمناشدة المسؤولين بالاهتمام بمنطقة عزبة النخل التى يوجد بها العديد من الحالات المصابة، إلأ أن التضامن الكبير مع مناشدتها، جعلتها تبدأ فى فكرة أن تقدم هذه المبادرة، لتتسع الرقعة التى تخدمها المبادرة من عزبة النخل إلى أحياء المطرية وعين شمس والمرج والخصوص.
يوماً تلو الأخر تزداد الاتصالات للإبلاغ عن حالات جديدة لتشملها رعاية المبادرة، لكن فى الوقت نفسه يزداد عدد المتضامنين والمتبرعين لصالح هذه المبادة.
تشرف أميرة يومياً على طهى وجبات الأفطار والغذاء الصحية التى يتم طهيها بناءً على نصائح الأطباء، لتكون هذه الوجبات فاعلة وتقوى مناعة المرضى والمصابين، ويقوم شريكها محمد جمعة بتوصيلها إلى منازل المرضى والمعزولين.
تقول أميرة إنها تراعى الجانب النفسى أيضاً من خلال الجمل والعبارات التى يتم كتابتها على هذه الوجبات مثل "بكرة أحلى، لسه الأمانى ممكنة، هذه الوجبة صنعت بكل حب وود وصدق"، ليشعر المريض أنه يوجد من يشعر به ويسخر وقته ومجهودته من أجل تقديم بعض الرعاية له حتى يتماثل للشفاء.
المبادرة بدأت فى الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، وبدأت تتلقى طلبات من أماكن مختلفة مثل وسط البلد والمهندسين وإمبابة، وتأمل أميرة فى أن تنتشر المبادرة فى أنحاء مصر كلها، لتكون عوناً للمرضى وأسرهم على مواجهة هذا الوباء الخطير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة