وائل السمري يكتب: قلب الوطن طيارة ورق.. كيف قاوم المصريون حصار كورونا بالطائرات الورقية؟ ساعة العصاري تعلن انتصارنا على الكبت بحيلة شعبية هزمت السجن وحظر الطيران وكبت الحرية بلعبة تحمل حلم والألم وتنثر الأمل

الثلاثاء، 16 يونيو 2020 01:21 م
وائل السمري يكتب: قلب الوطن طيارة ورق.. كيف قاوم المصريون حصار كورونا بالطائرات الورقية؟ ساعة العصاري تعلن انتصارنا على الكبت بحيلة شعبية هزمت السجن وحظر الطيران وكبت الحرية بلعبة تحمل حلم والألم وتنثر الأمل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

السجن لو كان جنينه أرضها مرجان.. من لوعة البعد تبقى أضيق من الفنجان.

طبعا طبعا .. السجن كما قال "عبده الاسكندارني" في أحد مواويله خانق وكئيب، السجن كفيل بأن يحول الجنة إلى جحيم، كفيل بأن يحول النعمة إلى نقمة والسعادة إلى بؤس مقيم، وليس خافيا على أحد أن إجراءات حظر التجوال والعزل في المنازل التي فرضها الهلع من انتشار فيروس كورونا أصابت الجميع بالإحباط والاكتئاب، لكن الشعب المصري الذي يوصف تاريخيا بحب الحياة لم يكن ليستسلم أبدا لكل هذا الموات، أبدا أبدا.

 طيارة ورق (11)

انظر إلى الشوارع والميادين "ساعة العصاري" لتعرف أننا استخرجنا من قاموس المقاومة حيلة شعبية نهزم بها السجن وحظر الطيران وكبت حرية التنقل، في كل حي طائفة من "الطيارين" يمدون الخيوط على استقامتها، ويعلقون بها طائرة ورقية، يحملون فوقها أحلامهم وأحزانهم، فأما الأحلام فتطير حتى تصبح سحابا يغرق الدنيا بأمطار الأمل، وأما الأحزان فتغرب مع الشمس وقت الغروب ولا تعود ثانية.

حاصرنا حصارنا وانتصرنا، وهكذا اخترع الشعب المصري مقاومته لليأس والضجر، هكذا اخترع المصريون الترياق الفعال لسموم السجن في البيوت والشوارع والمدن، اخترقنا حظر الطيران بالطائرات الورقية، وهزمنا اليأس بأمل معلق في خيوط نروح معها ونجئ، وقاومنا المرض بالحياة، والكثير من الحياة.

سنوات طويلة مرت لم نر فيها مثل هذه التظاهرة الشعبية السلمية الجمالية المدهشة، ارتددنا إلى طفولتنا في لحظة، طائرة ورقية بدائية الصنع والشكل.. نعم، لكنها إنسانية أيضا، تعلمنا الطيران، وتعلمنا قوانين الفزياء، وتعلمنا قوانين الهندسة، وتعلمنا الفن التشكيلي، وتعلمنا أن نتأقلم مع الريح، نرخي الخيوط إذا هبت نسمة من الهواء العليل، نشدها إذا ما هبت مسرعة، نطلقها إذا ما كانت السرعة أكبر من قدرة الخيط على المقاومة، نروح ونجئ، نقبل وندبر، نجري ونقف، نتمايل مع الريح، نرقص على إيقاعها المتذبذب، ونتسابق فيما بيننا لترتقي مهاراتنا، معركة حية، إنسان فرد، في مواجهة الطبيعة، ولا ترتفع الطائرة عن الأرض إلا وكأنها راية الانتصار.

مشهد مدهش نراه يوميا منذ أن طال حظر التجوال، في محيط السيدة عائشة والقلعة تعانقت الطائرات الورقية مع مآذن المساجد المبهرة لتشكل لوحة فنية عالية التوازن، على كورنيش النيل ما بين الوراق وأمبابة يتسابق الجميع على الانفراد بقطعة من السماء.

اتجمعوا العشاق بالزنزانة ....مهما يطول السجن مهما القهر

مهما يزيد الفجر بالسجانة.. مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر

 طيارة ورق (3)

تلك الأغنية التي كتبها الشاعر القدير زين العابدين فؤاد ولحنها الشيخ إمام، تكاد تصف حالتنا الآن بحذافيرها، لكن السجن هنا اختلف كثيرا، فسجن "فؤاد" الذي ألهمه بكتابة هذه الأغنية كان سجنا سياسيا ، أما الآن فنحن نعيش في سجن صحي، لكن مع هذا الاختلاف في سبب كتابة الأغنية تبقى المقاومة واحدة، نقاوم في القلعة، ونقاوم في شبرا والمطرية وإمبابة والبساتين، ونقاوم في باب الخلق وباب اللوق والسيدة زينب والإمام، في كل شبر مقاومة للسجن، والطائرة الورقية تصعد رغم فجر السجانة وفجر "كورونا" والعشاق يتجمعون كل يوم وكأنهم يهتفون "مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر؟" ليردوا في نفس واحد "ولا حد"

ليس غريبا على هذا الشعب أن يحترف المقاومة. ليس غريبا عليه أن ينظر إلى الموت نظرة ازدراء، وألا يهابه أو يخشاه.

 لدينا دائما ما ندافع عنه، ضحكة من القلب تخرج غير عائبة بالسدود والمتاريس، عمل صباحي وبهجة مسائية وأطفال نرعاهم وأحباب نعشقهم، ولدينا أرض لم تخنا ولم نخنها، أرض وقفنا عليها منذ آلاف السنين فما تهاوت بنا ولا تهاونا فيها.

 طيارة ورق (4)

لدينا نيل يا عالم..

 نيل تربينا على النظر إليه لنغسل عيوننا من القبح وقلوبنا من الغل، وأرواحنا من الآثام والأدران، لدينا تاريخ يعيش فينا ونعيش فيه، كل مصري حتى ولو كان جاهلا أميا هو مكتبة تحتوي آلاف المعارف والمعلومات والخبرات، فنحن نشرب الهوية المصرية كما يشرب الزرع الندى، لهذا نحب الحياة لكن ليس كما أحبها "محمود درويش" حينما قال "نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا، ولكن كما نفعل دائما، نحب الحياة وإذا لم نجد لها السبيل اخترعناه.

أنا اللى بالأمر المحال اغتوى

شفت القمر نطيت لفوق فى الهوى

انظر إلى الشباب والفتيان في كل حي لترى قلوبهم وهي معلقة بالطائرات الورقية، يصنعونها على شكل نجمة، أو على شكل سهم، يودعون فيها جزء من أرواحهم الحرة التي لا تقبل السجن ولا تعترف بالقيود والقطبان، ونحن الذين بالأمر المحال اغتوينا، ونحن الذين نمتلك أبسط الحلول لأعقد المشكلات.

 طيارة ورق (1)

"فتكون يدك مطلقة على قوم كثير، وإن الذين يدك مطلقة عليهم أحرار لا عبيد" هذا ورد وصف شعب مصر في كتاب "إخبار العلماء بأخبار الحكماء" للقفطي، ضمن وصايا تلقاها "أمون الملك" ليستتب له الأمر، ولا يعرف التاريخ الحقيقي ملكا باسم "آمون" لكنه يعرف بالطبع أن المصريين القدماء عبده إله بهذا الأسم، لكن ما يهمني هنا ليس هذا الحاكم أو ذاك، ما يهمني هنا هو  وصف شعب مصر، في أذهان المؤرخين بأنهم أحرار لا عبيد، منذ بداية الخلق وحتى يومنا هذا.

الحر يصبر على الضيق

 ولا بـيـفـرح لعادي

لـو ينشف الفم والريق

يـتـم ع الـحال هادي

هكذا وصف "ابن عروس" في رباعية رائقة حال "الأحرار" في تعامل مع "الضيق" وهكذا فعل الشعب المصري، هذا درس لمن يريد أن يعرف المصريين، هذا درس بليغ لمن يريد أن يعرف الفروق بين الشعوب، فقد رأينا شعوبا تتظاهر غضبا من الإجراءات الاحترازية الخانقة، ورأينا شعوبا تستسلم مذعنة لها، أما نحن فلم نتظاهر ولم نستسلم، رضينا بالحبس وتحايلنا عليه في ذات الوقت، قبلنا من باب الشعور بالمسئولية الجماعية ما اتخذته الحكومة من تدابير، لكننا في ذات الوقت كان لنا مع الحظر مآرب أخرى.

هل هذا رضا؟ أم حيلة؟ أم لؤم؟ أم جمال؟ هل هذا استسلام أم مقاومة أم رفض أم قبول؟ هل الشعب المصري هذا كله؟ أم غير ذلك بالمرة؟ حاول أن تأتي بطائرة ورقية واسأل نفسك هذه الأسئلة، وإذا نجحن في إطلاقها وانتشيت بطيرانها، حاول أن تتذكر هل عثرت على الإجابة أم طارت في الهواء؟

 

 طيارة ورق (2)
 

 

 طيارة ورق (5)
 

 

 طيارة ورق (6)
 

 

 طيارة ورق (7)
 
 
 طيارة ورق (8)
 

 

 طيارة ورق (9)
 

 

 طيارة ورق (10)
 

 


 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة