منذ مطلع إبريل العام الماضى، قرر المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطنى الليبي، تحرير العاصمة طرابلس من أيدى المليشيات والجماعات الإرهابية، التي ترعاها حكومة الوفاق المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، ليتدخل الراعي الرسمي لهذه التنظيمات فى الشرق الأوسط، رجب طيب أردوغان الرئيس التركي لدعمها فى طرابلس.
لم تمر أشهر على بدء انتصارات الجيش الوطنى الليبي لتحرير المناطق الغربية فى ليبيا منطقة تلو الأخرى، لتظهر بعدها عناصر من الجيش التركي والطائرات المسيَرة لدعم مليشيات حكومة الوفاق، وحين اقتربت قوات المشير من العاصمة طرابلس عبر عدة محاور، تزامن ذلك مع رغبة أردوغان على الاستحواذ على مياه شرق البحر المتوسط، طمعا فى مد حدود بلاده البحرية على حساب اليونان وقبرص طمعا فى حقول الغاز التي يعج بها البحر، فقرر التحالف رسميا مع حكومة الوفاق ليكلل طموحه فى النفط والغاز.
وفى شهر نوفمبر العام الماضى وقّع أردوغان وفائز السراج رئيس حكومة الوفاق اتفاقيتين أحداهما أمنية والأخرى لترسيم الحدود بين بلاديهما، يقتضيان بتوفير الحماية لمليشات الوفاق عبر الدعم التركي، وفى المقابل تمكن أنقرة من مد نفوذها فى البحر المتوسط من جهة، والاستحواذ على النفط الليبي من جهة أخرى، وليتمم أردوغان مطامعه وإحكام سيطرته على طرابس، أرسل آلاف المرتزقة السوريين إلى ليبيا لمحاربة الجيش الوطنى الليبي.
وعقب تدخل المجتمع الدولي والدول الإقليمية لحل الأزمة الليبية وعلى رأسها ، والأمم المتحدة، وروسيا، و"قمة برلين" يناير الماضى، تم الاتفاق على وقف إطلاق النار، لبدء محادثات سياسية، أهمها مباحثات (5+5) أي خمسة قيادات عسكرية من الجيش الوطنى وخمسة أخرين من "الوفاق" إلا أن طموح أدروغان حال دون استمرار المفاوضات، ومارس المجمع الدولى ضغوطه مرة أخرى لبدء استمرار المفاوضات، ولتقديم حسن النوايا، انسحب الجيش الوطنى الليبي من محاور طرابلس ليبتعد عنها بحوالي 60 كيلو متر، وذلك بعد مطالب دولية، إلا أن مليشيا الوفاق فسرت الانسحاب بالهروب لتبدأ مواجهات جديدة فى نقاط الانسحاب.
أحلام السيطرة من الغرب إلى الجنوب
اعتقد أردوغان أنه أحكم سيطرته على الغرب الليبي والتي تتمركز قواه فى مدينتى مصراتة وطرابلس وهى معاقل المليشيات والتنظيمات الإرهابية، عبر تقديم المزيد من المرتزقة السوريين والأسلحة والطائرات المسيّرة، لتتصاعد بعدها مساحة المشروع التركي في ليبيا، لتصل إلى المناطق الجنوبية من البلاد، بحسب ما يراه الكاتب الصحفى التونسى، "الجمعي قاسمي"، فى تصريحات نقلها عنه "مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامى"، وذلك بالتزامن مع تقدم قوات حكومة الوفاق في الشمال، ومحاولتها استكمال السيطرة على الشريط الساحلي من البلاد، من خلال السعي لدخول مدينة سرت، التي لا تزال تخضع لسيطرة الجيش الوطنى الليبي.
ومحاولة سيطرة مليشيات الوفاق المدعومة بمرتزقة أردوغان على مدينة سرت، من أهم الأهداف خلال المرحلة الراهنة، لأنها واحدة من أهم وأكبر المدن الساحلية الليبية، كونها تضم موانئ النفط الليبي، وسبق للجيش الليبي أن سيطر عليها خلال الأشهر الماضية، أثناء عملية عسكرية تهدف لدخول العاصمة طرابلس، بحسب "قاسمى"، الذى يرى أن هناك خطة تركية للسيطرة على قاعدة تمنهنت، في جنوب غرب ليبيا، لفتح الطريق أمام السيطرة على حقلي الشرارة والفيل النفطيين، وهذه القاعدة تتبع لمدينة سبها كبرى مدن جنوب ليبيا، وهي أهم القواعد العسكرية الجوية في الجنوب الليبي وتُشرف على الطريق الرابط بين سبها ومناطق الجفرة، التي تتوسط البلاد، وتربط مناطق ومدن الجنوب بالشمال، بحسب ما نشرته صحيفة العرب.
النفوذ الروسي والفرنسى
ويرى خبراء سياسيون أنه إذا كانت محاولات السيطرة على الشمال الليبي، اصطدمت بالنفوذ الروسي، فإن محاولات تركيا التوسع نحو الجنوب ستصطدم بالمصالح الفرنسية، فعلى سبيل المثال إقليم فزان الجنوبي وهو منطقة نفوذ تقليدية لفرنسا، كما أن منطقة وسط إفريقيا تعتبر منطقة نفوذ فرنسي، حيث تضم دول الإقليم عشرات القواعد العسكرية الفرنسية، منذ فترة الاستعمار الفرنسي للمنطقة وحتى اليوم.
لماذا يسعى أردوغان السيطرة على الجنوب؟
المنطقة الجنوبية هامة جدا بالنسبة للحكومة التركية، خاصة وأن جنوب ليبيا تعتبر الطريق الرئيسية للهجرة غير الشرعية من إفريقيا إلى السواحل الأوروبية، ما يمكنها بشكل مباشر من التحكم بحركة تلك الهجرة، كما أكدت المصادر، بحسب ما كشفت مصادر تحدث لمرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامى، مضيفة أن التحكم بتلك الطريق بالدرجة الأولى يزيد من أوراق الضغط التركية على الاتحاد الأوروبي، خاصةً وأن حكومة العدالة والتنمية باتت تدرك أن دخولها إلى الاتحاد بات مستحيلاً، حيث تنشط عمليات الهجرة غير الشرعية من وسط القارة الإفريقية عبر جنوب ليبيا وصولاً إلى الساحل، حيث اتهمت جهات سياسية وحقوقية قادة مجموعات عسكرية وزعماء قبائل ليبية جنوبية داعمة لحكومة الوفاق بإدارة بعض طرق الهجرة من الأراضي الليبية.
وتعنى سيطرة تركيا على طريق الهجرة غير الشرعية من ليبيا، يعني السيطرة تماماً على الحدود الأوروبية، بحسب ذات المصادر التى أكدت أنه لا يجب الاستهانة بهذا الملف ضمن الحسابات التركية، خاصةً وأنها تسيطر على كامل الحدود البحرية وجزء من الحدود البرية الشرقية للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى حساسية مسألة اللاجئين بالنسبة للشأن الداخلي الأوروبي، والكفيل بقلب الكثير من الموازين السياسية في تلك الدول، وفقاً للمصدر.
وكشفت المصادر أن فرنسا بدأت بالفعل التحرك دبلوماسياً وعسكرياً لمواجهة تقدم تركيا في الجنوب، خاصةً وأن المعلومات تشير إلى أن الخطة التركية تقوم على عملية عسكرية نوعية وسريعة، بعد الانتهاء من ملف مدينة سرت في الشمال، منوهاً إلى أن زيارة وزير الدفاع التركي، "خلوصي أكار" إلى ليبيا قبل أيام كانت تتعلق بتلك الخطوات.