يبدو تاريخ الأوبئة وانتشارها فى العالم مجهول، كما الحال مع فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" والتى لم يصل العلماء والباحثين إلا للقليل عنه، وهو ما يصعب مهمة إنتاج مصل وقائى أو علاج للشفاء من الفيروس اللعين، الذى أصاب ملايين البشر وحصد أرواح مئات الآلاف حول العالم.
ودائما ما يحدد الأحداث التاريخية، عدة أوجه من التاريخ الإنسانى، والاكتشافات الأثرية، أو التاريخ الدينى، وهو ما حولنا تفسيره للوصول إلى أولى الأوبئة التى وثقها الإنسان عبر التاريخ وصولا إلى الجائحة الأخطر حاليا، فيروس كورونا المستجد.
وباء الصين
يطلق عليه وباء ما قبل التاريخ، حيث كشف الاكتشافات الأثرية، أنه قبل نحو 5 آلاف سنة، قضى وباء على قرية ما قبل التاريخ فى الصين، وكانت جثث القتلى محشوة داخل منزل تم حرقه فيما بعد، ولم يتم إنقاذ أى فئة عمرية، حيث عثر على هياكل عظمية للأحداث والشباب والكهول داخل المنزل.
وبحسب موقع "روسيا اليوم" يطلق على الموقع الأثرى الآن اسم "هامين مانغا" وهو أحد أفضل مواقع ما قبل التاريخ المحفوظة في شمال شرق الصين، وتشير الدراسات الأثرية والأنثروبولوجية إلى أن الوباء حدث بسرعة كافية بحيث لم يكن هناك وقت للدفن المناسب.
وقبل اكتشاف "هامين مانغا"، عثر على دفن جماعي آخر من عصور ما قبل التاريخ يعود إلى نفس الفترة الزمنية تقريبا في موقع يسمى Miaozigou، في شمال شرق الصين، وتشير هذه الاكتشافات معا إلى أن وباء خرب المنطقة بأسره.
طاعون أثينا
يعتقد بإنها أول جائحة وثقها التاريخ، حيث تعود إلى 430 قبل الميلاد، وضربت المدينة في أوج مجدها، حيث أهلكت ثلث السكان، ويقال دمر وباء شعب أثينا واستمر لمدة خمس سنوات.
وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد القتلى يصل إلى 100 ألف شخص. وكتب المؤرخ اليوناني ثوسيديدس (460-400 قبل الميلاد) أن "أشخاصا يتمتعون بصحة جيدة تعرضوا فجأة لهجوم مفاجئ بسبب ارتفاع درجات الحرارة في الرأس، واحمرار والتهاب في العينين، وأصبحت الأجزاء الداخلية، مثل الحلق أو اللسان، دموية وانبعاث نفس غير طبيعي ونتن".
ويعتقد العديد من العلماء أن الاكتظاظ الناجم عن الحرب أدى إلى تفاقم الوباء. وكان جيش أسبرطة أقوى، ما أجبر الأثينيين على اللجوء إلى سلسلة من التحصينات تسمى "الجدران الطويلة" التي حمت مدينتهم، وعلى الرغم من الوباء، استمرت الحرب، ولم تنته حتى عام 404 قبل الميلاد، عندما اضطرت أثينا إلى الاستسلام لأسبرطة.
طاعون بنى إسرائيل
لعل أول طاعون أو وباء عام ذكرته مصادرنا الدينية وخاصة الإسلامية، هو طاعون وقع في بني إسرائيل، بعد أن امتنعوا عن امتثال أوامر الله وبدّلوا كلماته، قال تعالى: {فبدّل الذين ظلموا قولًا غير الذي قيل لهم، فأنزلنا على الذين ظلموا رجزًا من السماء بما كانوا يفسقون}؛
ورأى الطبري في تفسيره أن ما قصده النص القرآنى هو: أن "الله أهلكهم الطاعون"، ويدل على هذا أيضًا ما رواه الإمام البخاري في صحيحه، أن أسامة بن زيد سأل النبي (ص) عن الطاعون، فقال: "الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ علَى طَائِفَةٍ مِن بَنِي إسْرَائِيلَ -أوْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ- فَإِذَا سَمِعْتُمْ به بأَرْضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذَا وقَعَ بأَرْضٍ -وأَنْتُمْ بهَا- فلا تَخْرُجُوا فِرَارًا منه"، ويمكن أن يُفهم من هذا الحديث أن بكتيريا الطاعون ظلت بين حالتيْ كمون وظهور عبر الأعصر.