اللجوء إلى الكتب المقدسة فى وقت الأزمات سياسة قديمة يعرفها التاريخ جيدا، ومؤخرا، فعلها الرئيس الأمريكى ترامب فى مواجهة التظاهرات التى انتشرت فى أمريكا بعد مقتل رجل أمريكى يدعى "جورج فلويد" من أصول أفريقية فى "مينيابوليسن" على يد الشرطة الأمريكية.
خرج "ترامب" مترجلا إلى شارع رئيسى محيط بالبيت الأبيض، ووقف وحيدا على ناصية الطريق وهو يحمل الإنجيل ويرفعه عاليا، كما وقف أمام الكنيسة المجاورة للبيت الأبيض ورفع الكتاب المقدس قائلا "إن بلاده ستكون أعظم".
عند رؤية هذا المشهد يقفز إلى الذهن مشهد لا ينسى فى التاريخ الإسلامى يعرف باسم "واقعة التحكيم" وذلك عندما رفع جيش معاوية بن أبى سفيان المصاحف ووضعوها على أسنة الرماح فى وجه الخليفة الإمام على بن أبى طالب فى عام 37 هجرية بعد معركة "صفين" التى جمعت بين الفريقين، ويقال راح ضحيتها نحو 70 ألفا من المسلمين.
وذهبت بعض كتب التراث منها "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير إلى أن "واقعة التحكيم" فكرة سياسة خاصة كان وراءها "عمرو بن العاص" وكان يمثل "معاوية بن أبى سفيان" وقد خدع "عمرو" الصحابى "أبا موسى الأشعرى" ممثل "الإمام على بن أبى طالب".
ويقول كتاب "خطاب العنف والدم فى الفقه الإسلامى" لـ حسام الحداد، إن "الإمام على" كان يرى الخدعة واضحة من فريق معاوية وحاول أن يشرح ذلك لفريقه، لكن جيش الإمام انقسم وذهب بعضه إلى الموافقة على التحكيم.
وبالعودة إلى "ترامب" نجده يريد أن يقود معركته مع المواطنين الغاضبين بطريقة "الله معى" فيحمل الكتاب المقدس ويتحرك به دالا على أن لم يحد عن الحق، وأنه يؤمن بالإنجيل الداعى للمساواة بين الناس والداعى للتسامح أيضا.
يريد الرئيس الأمريكى أن يحتفظ له الشعب الأمريكى بصورته وهو يحمل الإنجيل، فى مواجهة بعض النماذج من المتظاهرين الذى نهبوا وسرقوا وحطموا الممتلكات فى صورة "مؤسفة"، يريد "ترامب" أن تعقد هذه المقارنة، والتى سيضمن من خلالها أنه سيربح، فهو يهدد بالجيش وفى الوقت نفسه يثبت أنه على حق بدليل أنه يحمل كتابا مقدسا فى يده.
وبالطبع سوف نصبح فى مشكلة كبرى إذا ما فكر المتظاهرون فى الرد على ترامب فخرجوا يحملون فى أيديهم الأناجيل، وذلك يعيدنا مرة أخرى إلى موقعة التحكيم الشهيرة بين الإمام على ومعاوية بن أبى سفيان لنقول إن نهايتها كانت كارثية، فهى السبب فى ظهور جماعة "الخوارج" فى التاريخ الإسلامى الذين كفروا عددا من المسلمين وقتلوا الإمام على بعد ذلك.