الواقع يؤكد أن هناك أحوالا لا يجوز فيها لمن أصابه ضرر من الجريمة أن يدعى بالحق المدنى أمام المحاكم الجنائية، وهذه الأحوال تتعلق بعضها بوقت الادعاء والبعض الآخر يتعلق بالجهة التى يتم الادعاء أمامها.
وهناك أحوال تتعلق بوقت الادعاء، فلا يجوز الادعاء المدنى بعد أن تخرج الدعوى الجنائية من حوزة محكمة أول درجة بإصدار حكم فى موضوعها، فالادعاء المدنى أمام المحكمة الاستئنافية محظور وعلة ذلك واضحة هى عدم حرمان المتهم درجة من درجات التقاضي، لذلك استقرت أحكام القضاء أخيرا على جواز الادعاء المدنى أثناء نظر المعارضة المرفوعة من المتهم فى الحكم الغيابى الصادر ضده، وذلك تأسيسا على أن المحكمة التى تنظر المعارضة هى ذات محكمة أول درجة فلا يترتب على هذا الوضع حرمان المتهم من درجه من درجات التقاضى.
هل يجوز الإدعاء المدني لأول مرة أمام محكمة النقض بعد نقض الحكم وتحديد جلسة لنظر الموضوع؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تهم ملايين المتقاضين والمتمثلة في السؤال هل يجوز الإدعاء المدني لأول مرة أمام محكمة النقض بعد نقض الحكم وتحديد جلسة لنظر الموضوع؟ حيث أنه من المعلوم أنه بموجب أحكام القانون رقم 11 لسنة 2017، إذا نقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه فإنها تحدد جلسة أمامها لنظر موضوع القضية وتتبع في هذه الحالة الأحكام المقرر لنظر القضية أمام محكمة الموضوع بحسب ما إذا كانت جناية أو جنحة بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض أحمد الجنزورى.
الرأي الأول.. جواز الإدعاء
فى البداية – مسألة التساؤل حول جواز الادعاء المدني لأول مرة أمام محكمة النقض عند نقض الحكم في جناية وتحديد جلسة لنظر الموضوع، فلا يوجد نص صريح يحسم هذا التساؤل، ولهذا أختلف الفقه ما بين مجيز ومعارض أما حجة المجيزيين أن نقض الحكم يعيد الدعوي إلي سيرتها الأولي بناء على أمر الإحالة ويعاد نظرها من جديد وكأن لم يصدر فيها حكم قط ومن ثم جاز الادعاء المدني أمام محكمة الإعادة إذ لا حرمان ألا بنص – وفقا لـ"الجنزورى" .
الرأي الثاني.. عدم جواز الإدعاء
وأما المعارضين - فحجتهم أن الإعادة بعض النقض ليس محاكمة جديدة إذ ما يلغي فحسب هو الحكم أما إجراءات المحاكمة، فتظل صحيحة بدلالة أن لمحكمة الإعادة الاعتماد عليها ومادام أن المدعي المدني فوت علي نفسه الإدعاء المدني في المحاكمة الأولي، فإنه يكون قد سقط حقه في الإدعاء المدني، فلا يجوز له بعد نقض الحكم والإعادة أن يدعي مدنيا أمام محكمة الإعادة إذ الساقط لا يعود، وبذلك يكون المبدأ المقرر عدم جواز الادعاء المدني لأول مرة أثناء نظر الطعن بالنقض ولا أمام محكمه الإعادة بعد نقض الحكم، وذلك حتى لا يضار الطاعن من طعنه .
الرأي الثالث.. التوسط بين الرأيين
ومن الفقهاء من يتوسط إذ يفرق بين ما إذا نقض الحكم بناءً علي طلب المتهم أم بناء علي طعن النيابة العامة، ففي الحالة الأولي يحظر الإدعاء المدني وفي الحالة الثانية يصح تأسيسا علي أن المتهم لا يضار بطعنه، وقبول النقض مع جواز الإدعاء المدني أمام محكمة الإعادة فيه نوع من الإضرار بالمتهم الطاعن وهو تعرضه لخطر الحكم عليه بالتعويض.
رأى محكمة النقض فى الأزمة
ولقد أخذت محكمة النقض بالرأي الأخير، فقضت عدم جواز تدخل المدعي المدني لأول مرة في الدعوى الجنائية بعد إحالتها من محكمة النقض إلي محكمة الموضوع لإعادة المحاكمة مادام أن نقض الحكم كان بناء علي طعن المتهم، وليس النيابة العامة، وقالت في ذلك: "من المقرر أنه إذا كان نقض الحكم حاصلاً بناء على طلب أحد الخصوم من غير النيابة العامة فلا يضار بطعنه، وأن طبيعة الطعن بطريق النقض وأحكامه وإجراءاته لا تسمح للقول بجواز تدخل المدعى بالحقوق المدنية لأول مرة في الدعوى الجنائية بعد إعادتها من محكمة النقض إلى محكمة الموضوع لإعادة الفصل فيها بعد نقض الحكم" .
وقالت محكمة النقض فى الطعن المقيد برقم 1031 لسنة 82 القضائية - لما كان ما تقدم - وكان الثابت بالأوراق إنه بعد نقض الحكم وإعادة الدعوى إلى محكمة الموضوع بناء على طلب الطاعنين وحدهم، أدعت والدة المجني عليه مدنياً قبلهم لأول مرة طالبة إلزامهم بأن يؤدوا لها تعويضاً مؤقتاً قدره عشرة آلاف جنيه وواحد، فقضى الحكم المطعون بذلك مع أن دعواها غير مقبولة، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه وتصحيحه بإلغاء ما قضى به في الدعوى المدنية.
ومقتض رأي النقض أنه إذا كانت النيابة العامة قد طعنت بالنقض بجانب المتهم وتم نقض الحكم جاز الإدعاء المدني لأول مره أمام محكمة الإعادة، وهو ما نراه محل نظر إذ هناك كذلك خطر الحكم علي المتهم بالتعويض أي أن الإضرار بالمتهم قائم حال أنه سبق وأن طعن وقبل طعنه مع طعن النيابة، وإذا كان قبول طعن النيابة العامة يهدد المتهم بالعقاب فإنه لا يسوغ أن يضاف إليه التعويض بقبول الإدعاء المدني ضده – الكلام لـ"الجنزورى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة