وشدد الخبراء - فى تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الأحد، تعقيبا على كلمة الرئيس السيسي بشأن ليبيا وسد النهضة - على أن الرئيس نبه العالم والمجتمع الدولي بأن مصر لن تتردد في التدخل العسكري إذا ما تجاوز المرتزقة والجماعات الإرهابية منطقة سيرت والجفرة بليبيا، وأن أي تدخل مباشر من الدولة المصرية بات يتوفر له الشرعية الدولية، بجانب أن إحالة ملف سد النهضة إلى مجلس الأمن أصبح ضروريًا بعد تعنت إثيوبيا في قضية تعد "مسألة مصيرية لشعب مصر"، وتجنبًا لأي تصعيد من شأنه أن يهدد السلم والأمن الدوليين.


ورأى لواء أركان حرب حمدي بخيت المحلل العسكري والاستراتيجي عضو مجلس النواب أن هناك حقائق كان لابد من توضيحها وهي أن ليبيا دولة معرضة لعدوان خارجي عسكري ولميليشيات تتدخل في أمن واستقرار سيادة الدولة الليبية يقودها النظام التركي وبدعم قطري، وأن مواقف القوى الدولية متخاذلة من ناحية وصامتة من جهة أخرى.


وأضاف أن مصر سلكت كل السبل السياسية وأعطت فرصًا لكل المتحاربين في "إعلان القاهرة"، أن يجلسوا على مائدة التفاوض بعيدًا عن أي تدخلات أجنبية، مذكرًا بأن مصر لها ثلاثة ثوابت في مثل هذه القضايا وهي: رفض التدخلات الأجنبية في شئون الدول، وأن شعب الدولة هو الذي يقرر مصيرها، وأن خريطة الدولة لا تتجزأ، منبهًا، في هذا الصدد، بأن تركيا تعمل على تجزئة خريطة ليبيا بدافع الطمع في ثروات شرق المتوسط.


واعتبر أن موقف الأمم المتحدة سلبي للغاية وتدعم حكومة فايز السراج الذي يقوم بخيانة واضحة ويدعو "دولة مارقة" مثل تركيا لتتدخل في بلاده، مشددًا على أن مصر لا تتدخل في شئون أي دولة إلا بدعوة من شعبها؛ مذكرًا، في هذا الشأن، بخطاب المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبيي بمجلس النواب المصري حيث حمل دعوة واضحة لتدخل القوات المصرية لحماية ليبيا.


وشدد الخبير العسكري على أن ليبيا هي عمق استراتيجي لمسرح العمليات المصري غربًا على الاتجاه الاسترتيجي الشمال الغربي، ولذلك فإن الرئيس السيسي حدد، في خطابه، "سرت-الجفرة" كخط أحمر؛ لأن تعديه يدخل في نطاق التهديد الاستراتيجي للأمن القومي المصري.


ورأى أن القبائل الليبية، التي دعت مصر للتدخل العاجل للقضاء على الميليشيات، تستنكر الاستعمار التركي الطامع في ثروات المتوسط، بعدما فشل النظام التركي في الوصول إلى أطماعه عن طريق قبرص وكذلك اليونان، ويحاول الآن إيجاد موطأ قدم على الأراضي الليبية بمساعدة فايز السراج، "إلا أن مصر لن تسمح بذلك لأنه يعد تعدي مباشر على قيم الأمن القومي المصري".


وحول إحالة مصر لملف سد النهضة إلى مجلس الأمن، أكد اللواء حمدي بخيت أن مصر تنتهج الأسلوب السياسي والدبلوماسي إلا أن إثيوبيا ماطلت بعدم حضور المفاوضات، وبإلقاء أوراق مشبوهه وكذلك إلغاء المحادثات الثلاثية، والاعتراض على تشكيل لجنة فنية، وتغيير السفير الاثيوبي في مصر، وإفشال محادثتنا في نوفمبر الماضي، وبإفساد الجولة الهامة خلال الشهر الجاري.
وقال إن إثيوبيا دأبت على أن تكون "دولة مارقة"، وظهر ذلك جليا عندما ضربت بكل الاتفاقيات عرض الحائط معلنة أنها ماضية في ملء السد، إلا أن مصر تحذر كل من يقوم بأي تصرف أحادي لملء السد وكذلك السودان يؤيد نفس المبدأ، كما حذرت مصر من أي تصرف فردي من قبل دول المنبع تجاه دول المصب.
وذكر بالثوابت التي تحددها قوانين استخدام المياه للدول المتشاطئة على النهر الواحد وكلها تؤكد أن مصر التزمت بالبعد السياسي وما زالت ملتزمة بإحالة الملف إلى الأمم المتحدة، منوهًا بأن مصر استخدمت وساطات فردية ودولية وتستكمل هذا المسار حتى تضع إثيوبيا والمجتمع الدولي أمام مسئولياته، موضحًا أن ملء 74 مليار متر مكعب في سد النهصة هو إجمالي حصة مصر المقدرة بـ(55.5) والسودان (18.5) معًا، أي أنه سيتسبب في تعطش أكثر من 140 مليون إنسان في القارة.


من جانبه، قال لواء أركان حرب سمير البدوي المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، إن ليبيا هي العمق الاستراتيحي للأمن القومي المصري، وأن مصر سعت للحل السياسي منذ بداية الأزمة، وأيدت جميع المبادرات السياسية التي كانت تهدف إلى التسوية هناك، وذلك منذ اتفاق الصخيرات وكافة المؤتمرات والاجتماعات التي عقدت حول ليبيا، والتي كان أخرها مؤتمر برلين ومخرجاته، ثم جاء "إعلان القاهرة" إلا أن هناك أطرافًا أخرى لديها أهداف داخل ليبيا وتسعى إلى التصعيد والتدخل في شئون البلاد مثل تركيا وغيرها.


ولفت إلى أن مصر ومن خلال "إعلان القاهرة" كانت على مسافة واحدة من جميع الأطراف من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية ومنع التدخل الخارجي في الشأن الليبي، لكن مع التصعيد والتدخل المباشر وعدم احترام القرارات الدولية في منع توريد السلاح وخلافه، بجانب المهازل التي تقوم بها تركيا من إرسال مرتزقة ودعم الجماعات الإرهابية بليبيا، أصبح هناك تهديد لأمننا القومي وضرورة للتدخل السريع، "وبالتالي لن نقف مكتوفي الأيدي، وعند حد معين لابد أن يكون هناك تحرك، وهذه كانت رسالة الرئيس السيسي خلال كلمته التي نصت على أن أي تدخل مباشر من مصر في ليبيا بات يتوفر له الشرعية".
وشدد على أن رسالة الرئيس السيسي وصلت لكافة الأطراف المعنية بالشأن الليبي سواء إقليمية أو دولية أو داخل ليبيا، منبهًا بأن هناك خطًا أحمر وأي تحرك معادٍ سيكون له رد فعل مصري.


وفيما يتعلق بلجوء مصر إلى مجلس الأمن الدولي في قضية سد النهضة، أكد أن الشعب المصري يعتمد بشكل كلي على النهر النيل من آلاف السنين، وبالتالي أي تدخل للتأثير على حصتنا في مياه النيل يعتبر مسألة حياة أو موت. 


وأوضح أنه منذ بداية الأزمة ونحن حريصون على الحل الدبلوماسي وعلى استكمال المفاوضات ولكن كان لابد من وضع حد فاصل للمماطلة والتسويف من الجانب الإثيوبي، قائلاً: "لن نقضي عمرنا في التفاوض حتى يضعونا بالنهاية أمام الأمر الواقع".


وذكر بأن مصر سلكت جميع السبل الدبلوماسية مع إثيوبيا، كما تدخل البنك الدولي وأطراف دولية أخرى وبعد أن وصلنا في مفاوضات واشنطن إلى الاتفاق على نحو 90% من المشاكل انسحبت أثيوبيا من المفاوضات فكان يتعين التحرك على المستوى الدولي لوضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته.
ونوه بأن مهمة مجلس الأمن هي الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وأنه مع التصعيد الإثيوبي كان لابد أن تحيط مصر مجلس الأمن بالتعنت الإثيوبي في هذا الملف الذي نتفاوض عليه منذ 10 سنوات، مشددًا على أهمية تلك الخطوة التي اتخذتها مصر لكي يتدخل مجلس الأمن لوضع حد للتصعيد في هذا الملف والذي لن يؤثر فقط على الدولتين ولكن على المحيط بالكامل.



من جهته، قال السفير الدكتور محمد حجازي مساعد وزير الخارحية الأسبق إن كلمة الرئيس السيسي، حول ليبيا أثناء تفقده للوحدات المقاتلة التابعة للقوات المسلحة بالمنطقة الغربية العسكرية، حملت رسائل عدة ووضعت المشهد الليبي أمام محددات سياسية وعسكرية وأمنية واستراتيجية هامة.


وأشار إلى أن رسائل الرئيس كانت واضحة، حيث أن الموقف العسكري الحالي كان يسبقه مبادرة مصرية وهي "إعلان القاهرة" والتي كان هدفها تحقق التوازن السياسي دون أي حلول عسكرية، وان أبناء الشعب الليبي هم بالنسبة لمصر سواسية، والحدود القائمة من سيرت إلى الجفرة هي خط أحمر، وأننا نملك قدرة من خلال قوات مسلحة عصرية لا تغزو ولا تعتدي ولكنها تحافظ على حدودها وتدعم وتساند أبناء ليبيا.


ورأى أنه كان من الممكن أن تدخل مصر في هذه المعركة منذ أعوام ولكنها لم تتدخل حرصًا على وحدة وسلامة الأراضي الليبيبة وإيمانًا منها بأن كل من يتنازع على السلطة في ليبيا هم من أبناء الشعب الليبي إلا أن الوضع الآن قد تغير وقد بات هناك قوى أجنبية إقليمية يستقوى بها أحد أطراف النزاع مما يحول دون وصول الصراع إلى تسوية أو إلى حل سياسي.


وأشار إلى أن المبادرة المصرية المتوازنة طرحت لتمنح كل أبناء الشعب الليبي وبشكل متكافئ مكانته في عملية سياسية تتوافق مع الدستور وتتمشي مع قرارت الشرعية الدولية والأمم المتحدة ومخرجات برلين إلا أن الميليشيات المسلحة المدعومة من تركيا تسعى لعرقلتها.


وتابع قائلاً: "ومن الواضح أن السلطة في طرابلس لم تعد صاحبة قرارها فهناك دول أصبحت تشعل الفتن والصراع داخل ليبيا وتستجلب الإرهابيين والميليشيات المسلحة، ومن هنا كانت رسائل الرئيس السيسي الهامة موجهة للعالم بأن مصر أصبح لها تفويض واضح وصريح من الشعب الليبي ممثلاً في برلمانه، وأننا لم نكن أبدًا لنتدخل إلا عندما بدا أن أمننا القومي والأمن القومي الإقليمي والعربي صار مهددًا في سابقة تدخل إحدى القوى الإقليمية لتدعم ميليشيات وإرسال الإرهابيين الذين لن نقبل أن يكونوا على مقربة من حدودنا". 


ورأى أنه على الجامعة العربية والمجتمع الدولي، خلال الأيام القادمة، أن يتبنى حلاً سياسيًا والحفاظ على الوضع الراهن شرقًا وغربًا وجنوبًا، لحين العمل من خلال المجتمع الدولي ومساندته من أجل وحدة وسلامة التراب الليبي لإطلاق عملية سياسية وفقًا للدستور الليبي وفِي إطار الآليات الدولية المتاحة سواء كان الإطار العسكري (5+5) أو في الأطر السياسية التي تطرحها مبادرة مصر حول ليبيا والتي تتيح لأقاليم ليبيا الثلاثة حقًا متساويًا في ثروات ليبيا وتحافظ على وحدة التراب الليبي وسلامته الإقليمية.

بدوره، قال السفير أحمد حجاج، الأمين العام المساعد الأسبق لمنظمة الوحدة الإفريقية، إن مصر جارة لليبيا مما يعطيها الحق في القيام بخطوات لاستعادة الهدوء والتصدي للجماعات الارهابية التي تهددنا و تعيث في الارض فسادا، وإن موقف مصر ازاء الازمة الليبية لا يتمتع فقط بتأييد شعب مصر بل بشعوب المنطقة والشعوب المحبة للسلام في كل أنحاء العالم، متوقعا ان تشهد الايام المقبلة ترحيبا كبيرا بموقف الرئيس عبد الفتاح السيسي في هذا الصدد.
وأضاف ان موقف مصر إزاء الازمة بليبيا هو مساندة الشعب الليبيي على استعادة وحدته، واستقرار الأمور ووقف القتال على الارض والتوصل إلى حل يسمح بقيام دولة ليبية جديدة يتمتع فيها كل المواطنين بحقوقهم الشرعية. 


وحذر من ان سرت والجفرة- والتي كانت معاقل في ايدي الاٍرهابيين من قبل حتى عادت الأمور إلى نصابها في تلك المناطق- قد تستخدم مرة اخرى اذا وقعت في ايدي الاٍرهابيين لشن عمليات ارهابية ضد الشعب المصري .


وعن توجه مصر لمجلس الامن الدولى في ملف سد النهضة، ذكر بأن هذا المجلس طبقا لميثاق الامم المتحدة منوط بحفظ السلام والامن بالعالم ومن حق اي دولة ان تتجه إلى مجلس الامن وتضع أمامه القضية التي تشكو فيها تعنت الجانب الاخر، منبهاً من ان أزمة سد النهضة ليست مشكلة على حدود على سبيل المثال بل انها مسألة حياة أو موت للشعب المصري . 

من ناحيته، اكد الدكتور محمد سامح عمرو رئيس قسم القانون الدولي بجامعة القاهرة، أن أي دولة تشعر بتهديد لأمنها واستقرارها من خارج حدودها فعليها ان تتعامل مع هذا الوضع بشكل فعال وسريع بما يحجم هذا الخطر ولها ان تتخذ من الإجراءات القانونية ما يرفع عنها هذا التهديد.


وفى هذا السياق نوه بأن احالة ملف سد النهضة لمجلس الامن الدولي جاء بعد توقف مسار المفاوضات وبعد ان تحقق لمصر وضوح نية الجانب الاثيوبي في عدم التوصل لاتفاق، حيث رفض مناقشة أي طرح مصري أو سوداني، وأصر على مناقشة الطرح المقدم منه الذي لا يمكن وصفه الا انه اتفاق إذعان تعكس نصوصه وأحكامه إصرار اثيوبيا على التعامل مع سد النهضة بشكل أحادى الجانب. 


وذكر بأن ما تضمنه الطرح الاثيوبي يؤدى إلى حقه في تعديل الاتفاق منفرداً في أي وقت سواء ما يتعلق بكميات المياه الواجب صرفها من السد سنويا في المواسم الممطرة أو مواسم الجفاف بما في ذلك حالات الجفاف الممتد، وحقها في تعديل نصوص الاتفاق بل وحقها في انهاء الاتفاق بإرادتها المنفردة، كما رفض الطرح الاثيوبى تضمين أي اتفاق مستقبلي لآلية من آليات تسوية المنازعات فيما يخص تفسير أو تنفيذ الاتفاق بين الدول الثلاثة، مما لا يتسم مع أحكام ومقتضيات وقواعد القانون الدولى والعدالة. 


واضاف :" ومن ثم وصلنا إلى مرحلة اللاعودة ولم يكن أمام مصر إلا رفع هذا الملف لمجلس الامن باعتبارها دولة عضو في الامم المتحدة وملتزمة بأحكام الميثاق و قواعد القانون الدولي، حيث ان مجلس الامن هو صاحب الاختصاص الرئيسى للتعامل مع كل حالات التهديد للسلم والأمن الدوليين وعليه أن يباشر اختصاصاته بشأن هذا الملف لان تقاعسه عن تحمل مسؤولياته طبقا للميثاق سيوضح عجز المنظمة الأممية عن تحقيق وظائفها". 


واشار الى ان مصر اختارت الطريق السلمى والدبلوماسى، وعلى المجتمع الدولى أن يحترم اتخاذ مصر لهذه الخطوة ويتعامل معها لاسيما من منظور الأهمية الاستراتيجية لمنطقة شرق أفريقيا التي لا تحتمل وجود نزاعات وحالات عدم استقرار. 


وقال انه يتعين على الجميع ان يساعد الدول الثلاثة في تجاوز هذه الأزمة بما يحقق التنمية الشاملة لشعوب مصر والسودان وأثيوبيا انطلاق من مبدأ تحقيق المكسب للجميع. 


وأختتم الدكتور سامح عمرو حديثه بأنه على اثيوبيا ان تحترم قواعد القانون الدولى ذات الصلة باستخدام الأنهار الدولية ومبدأ حسن الجوار ومبدأ حسن النية، وضرورة التعاون مع الدول المشاركة في النهر الدولى والا تبدأ في ملء السد قبل التوصل الى اتفاق مع كل من مصر والسودان.