أصدر مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية بيانا حول قرار الحج هذا العام، قال فيه:إنَّه إذا قرَّر الأطباء الثَّقات من أهل الاختصاص أنَّ احتمالات انتشار الوباء مرتفعة في حال ما إذا وقعت تجمعات بشرية في بلد من البلاد؛ لا سيما إذا أتوها من أقطار الدنيا كما هو الحال في الحج والعمرة؛ فإنه يتعين حينئذ اتخاذ التدابير اللازمة إلى حين انجلاء هذا الوباء وإن اقتضى الأمر إقامة الحج بأعداد محدودة قليلة من داخل بلاد الحرمين دون غيرها؛ لأدلة الشريعة العامة على تحريم نقل المرض من مكان لآخر، وللحفاظ على الأنفس من الهلاك؛ إذ إن حفظها مقصد من أَولى مقاصد الشَّرع الشَّريف؛ قال الله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195].
وقد جاءت أحاديث نبوية كثيرة تؤكد ذلك وتعضده، منها:
- قول سيدنا رسول الله ﷺ: «إِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ رِجْزٌ سُلِّطَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَوْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ، فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا» [متفق عليه].
وقد نهى الحديث عن القدوم إلى بلد مصاب بوباء معدٍ، أو الخروج منه، ومدلول الحديث هو معنى الحجر الصِّحِّي الذي قرَّره الطِّبُّ الحديث الآن بعد أن عَرَف الكثير عن الأمراض المعدية، وتوصَّل إلى أنَّ الحجر الصحي من أهمِّ أسباب مكافحتها والقضاء عليها.
- وقول سيدنا رسول ﷺ: «لَا يُوردَنَّ مُمرِضٌ عَلَىٰ مُصِحٍّ» [أخرجه البخاري].
- وقوله ﷺ: «فِرَّ مِن المَجْذُوم فِرَارَك مِن الأَسَد» [أخرجه البخاري].
فإذا كانت المخالطة سببًا في العَدوى بقدر الله ومشيئته؛ فإنه يجب اتقاء ذلك السبب؛ ولذلك قال عمر رضى الله عنه للمرأة المُبتلاة لما رآها تطوف بالبيت مع الناس: «يا أَمَة الله لا تؤذي الناس، لو جلستِ في بيتك لكان خيرًا لك فجلستْ» [أخرجه مالك في الموطأ].
كما أنه رضى الله عنه مَنَعَ مجذومًا من دخول المسجد، وقد شهد الصحابة الواقعتين، ولم يُنكر عليه منهم أحد؛ فكان إجماعًا.
بالإضافة إلى أنَّ قواعد الشريعة تدل على جواز هذا التحديد لخوف انتشار الوباء؛ إذ إنَّ تصرفات الإمام في أمور الرعية منوطة بالمصلحة، ولما تقرر فقهًا.
وقد تقرر في الشَّرع أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأنه إذا تعارضت مصلحتان حصلت العليا منهما. [الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص:90)].
ونَسألُ اللهَ العَلِيَّ القَدِيرَ أنْ يرفعَ عنَّا وعَن العَالَمينَ البَلاءَ، وأنْ يَحفَظَنَا وبِلادَنا مِن كلِّ مَكرُوهٍ وسُوء، وألَّا يَحرِمنَا زِيارةَ مَسجِدِهِ الحَرَامِ ومَسجِدِ رَسُولِه ﷺ حُجَّاجًا ومُعتَمِرِينَ؛ إنَّه سُبحَانَه لَطِيفٌ خَبِيرٌ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة