س/ حصلت على عدة جوائز مهمة من قبل.. ماذا يمثل لك فوزك بجائزة الدولة؟
ج: الفوز بجائزة الدولة المصرية يمثل لى قيمة عزيزة، لأن هذه الجائزة منحت لى باسم مصر التى أعتز بها، ولأنها منحت من قبل المؤسسة الثقافية الرسمية للدولة المصرية مما يجعل لهذه الجائزة قيمة أخرى مضاعفة ويجعل لها تميزا مضافا لقيمتها، نظرا لأنها تكريما من الدولة لمبدعيها، واعترافا بما قدموه من عطاء لخدمة مصر والثقافة المصرية والعربية، كذلك للجائزة قيمة تاريخية، لأن لها تاريخيا عريقا منذ انطلاقها، وهذا التاريخ يكرس لها، مما يجعلها على قمة الجوائز التى تمنح للمصريين فى مختلف المجالات سواء فى الآداب أو الفنون أو العلوم الاجتماعية.س/ ماذا تمثل الجوائز والتكريمات للناقد.. هل يحتاج إليها؟
ج/ الجوائز للناقد وللمبدع عموما، آلية لتكريس الناقد وآلية لتثمين وتقدير مشروعه، وهى قناة من قنوات الاعتراف والتقييم للجهد النقدى والمشروع النقدى للناقد، فالناقد والمبدع عموما يحتاج للجوائز لأن لها قيمة مادية وقيمة أخرى معنوية، وإن كانت جوائز الدولة هى فى حد ذاتها قيمة عظمى.
س/ ما رأيك فى مقولة أن النقد "منحصر" داخل أسوار الأكاديميات العلمية؟
ج: هى مقولة غير دقيقة، لأن معظم ما يقدم خلف الأسوار الأكاديمية موجه ناحية الأدب المحافظ ونحو التراث والآداب الكلاسيكية، فلدينا مشكلة كبرى فى تدريس الأدب فى الجامعات وهو هيمنة العقل المحافظ والفكر السلفى على المناهج التى تقدم فى الجامعة، وهو يؤثر بالسلب على تهيئة دارسى الأدب لاستعاب الأدب الطليعى والأدب المتجاوز، ولا شك فإن هناك ضرورة لدراسة التراث، لا أحد ينكر ذلك، لكن عندما تغلب دراسة التراث ودراسة الأدبيات الكلاسيكية المحافظة على حساب الأدب الطليعى، هذا يصنع انفصاما شديدا بين الدارس أو الباحث وبين الواقع الأدبى، وضرورى أن تعالج هذه المسألة وضرورى أيضا أن يكون للباحث رؤية وذائقة يوجهانه لاستكمال معارف وقدرات تنمى معرفته على الواقع الأدبى، التى تذهب معظم الدراسات الأكاديمية على مجافاته، فنرى مثلا معظم الأكاديميات فى تدريس الأدب العربى يذهبون إلى أن آخر الشعراء هو أحمد شوقى، أو شعراء مدرسة الديوان أو الرومانسية، أو "باكثير" فى بعض الكليات التى تعتبر أكثر انفتاحا، أما آخر ما يتم تدريسه فى بعض كليات الآداب، هو الجيل الخمسينى مثل صلاح عبد الصبور وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتى، ولم يتجاوزوا هذه الحقبة، لذا هناك هوة واسعة بين ما تقدمه الجامعة وبين الواقع الأدبى.
س/ كثير من المبدعين لا يعدون النقد إبداعا.. كيف ترى ذلك؟
ج/ مفهوم النقد أو ماهيته مسألة إشكالية ومعقدة، لأن النقد مزيج من المعرفة الأكاديمية والنظريات النقدية والفلسفية التى يستند إليها الناقد وينطلق منها، وهو أيضا ممارسة واختيار للناقد يعتمد على ذائقته وقدرته على المفاضلة وأقدار المبدعين والقدرة على الفرز وانتقاء النصوص الجيدة وأيضا ترتيب النصوص بحسب قيمتها وأقدار مبدعيها، لذا النقد ليس إبداعا كاملا ولكن فيه جانب إبداعى وجانب اختيارى، فهو ينطلق من منطلق معرفى موضوعى إذا هو ممارسة تجمع ما بين الموضوعية المتمثلة فى المعارف الأكاديمية والنظريات الفلسفية، وأيضا هو ممارسة ذاتية تتدخل فيها ذاتية الناقد ووعيه وذائقته فى الانحياز لبعض النصوص انطلاقا لما يراه من قيمتها، وليس الانحياز هنا هو الانحياز العاطفى أو الميل الشخصى، ولكن الانحياز هنا بمعنى القدرة على تمييز النصوص الإبداعية وقدرة المبدعين.
س/ هل تتفق مع الرأى القائل بأن النقد لا يجارى الإبداع وأنه متأخر عن متابعته؟
ج/ هى مقولة تمثل إشكالية كبرى، نعم هناك بعض الممارسات النقدية التى لا تجارى الإبداع الحادث، وهو النقد الأكاديمى الذى يعتمد على تكرار الدراسات النقدية حول نماذج بعينها، وكان هذا واضحا مثلا فى تركيز معظم الجهود النقدية فى دراستها قصيدة النثر عند شعراء الموجة الأولى، مع ندرة الجهود النقدية التى ذهبت لدراسة الموجات التالية، لكن هذه المقولة أحيانا ما يستخدمها بعض المبدعين لمحاولة الضغط أو ابتزاز النقاد، لأن بعضهم يعلق شماعات عدم تحققهم على المستوى النقدى، وهناك متابعة نقدية للكثير من الأعمال الأدبية الموجودة التى تصدر، لكن فى النهاية هناك جهود نقدية تتابع عددا كبيرا من الأعمال المطروحة من الساحة، ولكن المشكلة أن هناك التباسا نقديا عند بعض النقاد الذين يظنون أن مهمة الناقد الكتابة عن أكبر عدد من ممكن من المبدعين، مما يوقع الناقد فى شرك الكتابة فى بعض التجارب منخفضة المستوى أو المبدعين المتوسطين "الميديوكر" وهؤلاء لن تبقى كتاباتهم وأيضا النقد المكتوب عنهم، وسيذهب مع أصحابهم.
س/ ما سبب اختيارك دراسة شعر سركون بولص؟
يمثل سركون بولص لى كنزا إبداعيا ثريا، يمكن للناقد أن يستخرج منه اللآلئ الثمينة والدرر النفيسة، لأن "سركون" يمثل هو ووديع سعادة الموجة الثانية من شعراء قصيدة النثر العادية، هذه الموجة التى بدأ شعراؤها منذ نهاية الستينيات، والتى جاءت لتمثل تطويرا وتقويما وربما تصحيحا لمسار قصيدة النثر بعد الموجة الأولى التأسيسية التى كان من بين روادها البارزين محمد الماغوط وأنسى الحاج، حيث أسرفت قصيدة "الماغوط" فى الأيدلوجية وفى التزيينات اللفظية، وظهرت متأثرة بالتفعيلة وموسيقاها، أما قصيدة "الحاج" فكانت مسرفة فى تغريبها اللغوى، فجاء سركون بولص لكى يخرج عن مسار الموجة الأولى، ليأتى بصياغة جديدة لقصيدة النثر العربية، ولكى تخوض طريقا جديدا لا تغريب فيه، ولكن التميز والأداء الشعرى الفارق، كان فى توليد الصور الجمالية والتعبيرات الشعرية الجديدة باستخدام معجم لغوى واضح وسهل وأيضا عميق فى الوقت نفسه، كذلك اختيارى له لأنه يمثل المأساة العراقية، سواء فى مكانه الأول فى العراق، أو فى المهاجر التى تغرب فيها كغيره من العراقيين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة