جدران المعابد الفرعونية وأوراق الباردى كما نقلت لنا تاريخ المصريين القدماء وحضارتهم وأدق تفاصيل حياتهم، حملت لنا أيضا نفحات من الحكمة التى تميزوا بها وتناقلوها بين مختلف الأجيال، حيث لم تترك أقوالهم المأثورة جانبا إلا وتحدثت عنه من العلم إلى الثروة والمرأة وغيرها.
وكما قام القدماء المصريون بدورهم فى تسجيل حكمهم وحفظها لآلاف السنين حتى وصلت لنا اليوم، أطلقت وزارة الآثار المصرية -قطاع المتاحف- حملة على وسائل التواصل الاجتماعى تحت عنوان " تغريدات من مصر القديمة"، لتقوم بدور آخر فى توصيل الأقوال المأثورة للفراعنة إلى الأجيال الجديدة.
حملة تغريدات من مصر القديمة، بدأت خلال يونيو الحالى وحققت متابعات كبيرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، حيث نشر قطاع المتاحف سلسلة تغريدات لحكماء الفراعنة، تناقلها المتابعون من خلال صفحاتهم.
وتناولت التغريدات موضوعات عديدة، حيث تحدثت إحداها للحكيم كاجمنى عن دور المرأة فى المجتمع وقالت: "علموا المرأة يتعلم الرجل.. ويتعلم الشعب"، وعن أهمية النصيحة قال كاجمنى: "من السهل أن ينصح الإنسان غيره ومن الصعب أن ينصح نفسه".
وعن الظلم قال الحكيم بتاع حُتب: "الظلم موجود بوفرة.. ولكن الشر لا يمكن أبدا أن ينجح على المدى الطويل"، كما قال عن أهمية الكلمة: "لا تتحدث إلا عندما يكون لديك شىء يستحق أن تقوله"، وعن الشائعات قال: "لا تردد الشائعات ولا تستمع إليها"، وقال أيضا: "من لديه قلب كبير لديه هبة من الله"، وعن الضمير قال: "الضمير المطمئن خير وسادة للراحة".
لم تقف حكمة قدماء المصريين عند هذا الحد بل تحدث بتاح حتب أيضا عن الاجتهاد والعمل وقال: "كن مجتهدا فى كل وقت.. افعل أكثر مما هو مطلوب منك.. لا تضيع وقتك إذا كان فى إمكانك أن تعمل"، ومن تعاليم خيتى بن دوواف لابنه بيبى عن القناعة: "كن قنوعا بطعامك.. إذا كان يكفيك ثلاثة أرغفة وشرب قدحين من الجعة.. فإذا لم يكن بطنك اكتفى بعد فحاربه".
وتصدرت حكمة بتاع حتب التغريدات والذى كان مسئول مصرى قديم عاش فى أواخر القرن الـ25 قبل الميلاد، وعمل وزيرا فى عهد جد كا رع مؤسس الأسرة الخامسة، وله كتاب شهير عن "الأخلاق والسلوك الحسن"، وهى من الروائع المصرية القديمة فى "أدب الحكمة" التى تهتم بإرشاد النشء وتوجيههم إلى الأخلاق الحميدة.
وكان له ابن يُدعى آخت حتب (Akhethotep) ، ويعمل وزيرًا أيضًا، ودفن هو وأحفاده فى سقارة، وتقع مقبرة بتاح حتب فى مصطبة شمال سقارة، حيث أوى إلى مثواه الأخير. ودفن حفيده بتاح حتب تشيفى (Ptahhotep Tshefi) - الذى عاش أثناء عهد الفرعون أوناس فى مصطبة والده، وتشتهر هذه المقبرة بالرسومات الرائعة.
ويرجع بعض علماء الآثار تاريخ حِكم بتاح حتب إلى ما قبل القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد بكثير، فعلى سبيل المثال يقول ويل ديورون (Will Durant) الحائز على جائزة بوليتزر فى كتابه "قصة الحضارة: تراثنا الشرقى" إن أول ظهور لهذه الكتابات كان فى عام 2880 قبل الميلاد.
ويقول ديورانت إن بتاح حتب يمكن اعتباره أول فيلسوف فى العالم بحكم ما حصلنا عليه من بقايا المخطوطات السابقة فى الفلسفة الأخلاقية (إشارة إلى "تعاليم بتاح حتب).
أما الحكيم كاجمنى فكان من الأسرة السادسة أيام حكم الملك تيتى (حوالى 2345 - 2333 ق.م)، وله مقبرة مشهورة فى سقارة بجوار هرم تيتى شمال شرق هرم زوسر.. كاجمنى كان زوج ابنة الملك تيتى نبتى-نيبو-خيت (Nebty-nebu-khet) وكان وزيرا وقاضيا وكاهنا وترك نصائح وحكم عن إتيكيت معاملة الناس والفضائل الخلقية والأخلاق.
ووجدت تعاليمه داخل مقبرته التى اكتشفها ريتشارد ليبسيوس عام 1843 وهى واحدة من المقابر التى وجدت فى حالة جيدة، ومحتفظة بالألوان والرسومات على الحيطان، وتعاليم "كاى جمني" هى أحد نصوص أدب الحكمة المصرية القديمة، والتى تعود لعصر الدولة الوسطى بالرغم من نسبتها إلى كاى جمنى وزير الملك سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة.
وأقدم مصادر تلك التعاليم هى بردية بريسي، والتى تعود لعصر الأسرة الثانية عشرة، والمكتوبة باللغة المصرية الوسطى وبأسلوب هيراطيقى قديم. وتذكر بردية بريس تعاليم "كا جمني" المنتسبة إلى الأسرة الرابعة فى عهد الملك سنفرو، وتأتى بعدها تعاليم بتاح حتب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة