عادت قضية الشاب الفرنسى من أصول أفريقية آداما تراورى، والذى توفى فى 19 يوليو 2016 بإحدى ضواحى باريس إثر عملية مطاردة من قبل رجال الدرك، إلى الواجهة تزامنا مع الاحتجاجات فى الولايات المتحدة على خلفية مقتل جورج فلويد فى مينيابوليس بعد توقيفه من قبل الشرطة، وتعمل عائلة تراورى على إثبات مسؤولية رجال الأمن فى وفاته، بانتظار بت القضاء مجددا فى القضية.
ونشرت " فرانس برس" تقريرا يفيد بحالة التشابه الشديدة بين قضية تراورى وفلويد، وأفادت باندلاع مظاهرة للتنديد بـ"عنف الشرطة المفرط بحق الأقليات"، واحتجاجات تخللتها مواجهات وتراشق بالحجارة مع الشرطة، وشعارات غالبيتها بالإنجليزية تحمل دلالات قوية عابرة للقارات "حياة ذوى الأصول الأفريقية لها قيمة" ("بلاك لايفز ماتر"، "آى كانت براث" (لا أستطيع التنفس)، "العدالة لآداما".
جرت هذه المظاهرة الثلاثاء أمام قصر العدالة فى باريس، أكبر المحاكم الفرنسية، وشارك فيها الآلاف، مطالبين بمحاسبة من وصفوهم بـ "قتلة" الشاب الفرنسى من أصول أفريقية آداما تراورى الذى مات أثناء استجوابه من قبل شرطيين فى 19 يوليو من عام 2016.
وجاءت هذه المظاهرة وكأنها صدى لما يحدث ما وراء المحيط الأطلسي، بالولايات المتحدة، على خلفية مقتل أمريكى من أصول أفريقية اسمه جورج فلويد فى 25 مايو لدى توقيفه بمدينة مينيابوليس (ولاية مينيسوتا، شمال شرق البلاد) عندما ضغط أحد رجال الشرطة بركبته على عنقه إلى أن فارق الحياة. وكان يردد قبل وفاته "آى كانت براث".
وفاة آداما تراورى وبداية معركة قضائية
وجاءت المظاهرة أيضا وسط موجة احتجاجات عالمية ضد ظواهر العنصرية وعنف الشرطة عقب موت فلويد (46 عاما). وفيما اتهمها بعض الأطراف السياسية والأمنية باستغلال "قضية فلويد" التى تلقت صدى عالميا واسعا لأغراض ذاتية، نددت آسا تراوري، وهى شقيقة آداما والناطقة باسم لجنة "الحقيقة لآداما"، بما سمته "ظلم" العدالة. وقالت "عندما نناضل من أجل جورج فلويد نناضل من أجل آداما تراوري".
وتفجرت مأساة عائلة تراورى فى 19 يوليو 2016 عندما سعت قوات الأمن بضاحية بومون سو واز الشعبية، شمالى باريس، لاعتقال واستجواب باغي، الأخ الأكبر لآداما، فى قضية اختلاس أموال. وكان آداما (24 عاما) ساعتها برفقة أخيه، فلاذ بالفرار عند رؤية عناصر الدرك يقتربون منهما لتبدأ عملية مطاردة انتهت بتوقيفه ونقله إلى ثكنة بمدينة برسان المجاورة.
وفقد آداما الوعى خلال نقله إلى الثكنة، ليلفظ أنفاسه الأخيرة داخل أسوارها بعد عملية التوقيف بساعتين. وحددت بعض المصادر ساعة الوفاة بعد الثامنة مساء بقليل. وفور علمها بوفاته لم تترد عائلة تراورى فى اتهام عناصر الدرك بالتسبب بموته، ما فتح الباب أمام معركة قضائية شائكة لا تزال متواصلة. وتميزت هذه المعركة أساسا بتحقيقات طبية وتحقيقات مضادة اختلفت نتائجها فى كل مرة.
آداما يرقد إلى جانب والده فى باماكو
وبعد تسلم الجثة، تم دفن آداما تراورى فى 7 أغسطس 2016 بمقبرة كالابونكرو بأحد أحياء العاصمة المالية باماكو حيث أصل أوليائه، غير بعيد عن قبر والده المتوفى فى عام 1999.
وكان آداما على ما يبدو معروفا لدى القضاء لكن المعلومات المتعلقة بسجل سوابقه الجنائية متضاربة حسبما ما وردت من العائلة أو من الشرطة. ولم يعرف عنه الكثير لا قبل ولا بعد مأساة وفاته. ولكن الأهم ليس فى السوابق الجنائية بل فى أسباب وفاة هذا الشاب.
فبالنسبة إلى عائلته، ما من شك أن عناصر الدرك قد تسببوا فى موته جراء "تقنيات" التوقيف والاعتقال التى استخدموها والتى تشبه إلى حد كبير ما أدى إلى وفاة جورج فلويد فى مينيابوليس، أى تثبيت المشتبه به أرضا وإلقاء (رجال الأمن) الثقل عليه. أما الشرطة، فرفضت الاعتراف بأى مسؤولية فى موته، قائلة إنه كان يعانى من مرض القلب، مستندة فى ذلك إلى تحقيقات الطب الشرعى التى أمرت بها النيابة العامة.
من المسؤول؟
وجرى أول تحقيق طبى فى موت آداما تراورى غداة وفاته، وشدد وكيل الجمهورية فى مدينة بونتواز (حيث مقر إقليم فال دواز، شمال باريس)، إيف جانيه، يومها على أن عناصر الدرك لم ترتكب أى هفوة من شأنها أن تكون وراء موت الشاب، وأكد جانيه أن آداما كان يعانى من "التهاب طال عدة أعضاء فى جسمه".
إلا أن مجموعة من الخبراء أجرت تحقيقا مضادا بعد أسبوع من التحقيق الأول وأكدت أن وفاة تراورى وراءها "أعراض اختناق"، ما أدى إلى التشكيك فى نية وكيل الجمهورية، وعلى إثرها، تكلف قضاة باريسيون بالقضية.
وفى سبتمبر 2016، أجرى تحقيق آخر خص "أعضاء" آداما تراورى وخلص إلى ربط موته بمرض القلب الذى كان يعانى منه. لكن تحقيقا مضادا (خص الأعضاء أيضا) بتاريخ 3 يوليو أكد فرضية "الموت باختناق" دون أن يحدد مسؤولية عناصر الدرك فيها.
"جريمة" أم وفاة طبيعية؟
وفى 14 سبتمبر2018، قامت مجموعة من أربعة خبراء بتحقيق أكد تبرئة عناصر الدرك، معتبرا أن آداما تراورى كان فى وضع صحى حرج قبل وصولهم إلى المكان الذى اعتقل فيه. وقالوا إنه توفى جراء مرض وراثى تسبب فى اختناقه بعد "جهد بدني" (أى إثر فراره). وأغلق القضاة ملف تراورى فى نهاية 2018 دون توجيه أى تهمة لعناصر الدرك.
لكن عائلة آداما تراورى لم تستسلم. فقد كشفت فى 11 مارس عن تقرير طبى قام به أربعة أخصائيين كبار بمستشفيات باريس بطلب منه، واصفين نتائج التقرير السابق بأنه مجرد "تأويلات نظرية" وطلبوا مواصلة التدقيق فى فرضية الاختناق.
وعلى إثر هذا التحقيق، أمر القضاء بتحقيق جديد صدرت نتائجه فى 24 مارس الماضى واستبعدت الموت باختناق. وردت عائلة تراورى بتقرير طبى الثلاثاء يؤكد موت آداما "باختناق".
ويعود الأمر مجددا للقضاء لأجل البت فى القضية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة