عقدت وزارة الأوقاف مساء أمس الثلاثاء ندوة للرأي تحت عنوان: " احترام النظام فى ضوء الشرع الحنيف " بمبنى الإذاعة والتليفزيون، تحدث فيها الدكتور أحمد محمد عوض إمام وخطيب مسجد سيدنا عمرو بن العاص (رضي الله عنه)، والشيخ / محمد عبد العال الدومي إمام وخطيب مسجد مصطفى محمود ، وأدار الندوة وقدم لها الإعلامى عمرو أحمد .
وفى كلمته أكد الدكتور أحمد محمد عوض أن موضوع احترام النظام العام من الموضوعات المهمة، التى تتعدد جوانبها ، لا سيما في هذا الظرف الخطير الذى يعيشه العالم الآن في ظل جائحة كورونا، ولا بد من الجميع أن يتعامل مع هذا الظرف بإيجابية من خلال المحافظة على الغير وعدم أذيته، ومن خلال التباعد والأخذ بالضوابط والإجراءات الاحترازية، حيث إنه لا ضرر ولا ضرار، مبينًا أن الله تعالى خلق كلّ شيء في هذا الكون بنظام وإبداع ، وأن كل شيء يؤدي وظيفته التي خلقه الله (عز وجل) من أجلها بانتظام وإتقان وإحكام ، يقول الحق سبحانه : " وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"، ويقول سبحانه: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ " ، ويقول جلَّ شأنُه : "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"، حتى في خلق الإنسان خلقه الله بنظام وإبداع، قال تعالى: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ" ، فينبغي علينا أن نتعلم من هذا الدرس، ونأخذ منه لحياتنا، وأن نعيش بنظام وتخطيط، فكل الأديان تدعو للنظام ، والذين لا يحبون النظام دائمًا لا يصلون إلى غاياتهم ، ولا يحققون أهدافهم، ولا يمكن أن تقام حضارة على فوضى وعدم نظام.
كما أكّد أن الإسلام علمنا النظام في العبادات والمعاملات والآداب الاجتماعية ، والأنظمة الاقتصادية والسياسية ، بل في كل مناحي الحياة ، فقد جعل الإسلام لكل شيء نظامًا حتى الطعام ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه ، بل في البيع والشراء، فقد نظمه الإسلام واشترط في البيع التراض، والبيّعان بالخيار مالم يتفرقا ، موضحًا أن على الإنسان واجباتٍ كثيرة في زمن الأوبئة والجوائح منها : الصبر واحتساب الأجر عند الله تعالى ، فقد سألت أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها) رسولَ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) عن الطاعونِ ، فقال رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ): " إنَّه كان عَذابًا يَبعَثُه اللهُ على مَن يَشاءُ ، فجعَلَه رَحمةً للمُؤمِنينَ ، فليس مِن رَجُلٍ يَقَع الطاعون فيَمكُث في بَيتِه صابِرًا مُحتَسِبًا يَعلَمُ أنَّه لا يُصيبُه إلَّا ما كَتَبَ اللهُ له إلَّا كان له مِثلُ أجْرِ الشَّهيدِ"، ومنها : الأخذ بالأسباب، حيث علمنا سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الأخذ بالأسباب في رحلة الهجرة النبوية المباركة ، فاختار الصديق، والدليل الذي يدلهما على الطريق ، ومن يأتيهما بالطعام ، ومن يخفي أثرهما ، بل اختار الأرض التي يهاجر إليها، وغير هذا من الأمور المخططة والمحكمة ، فكلما كان العمل منظمًا ومخططًا كلما كان تنفيذه في وقت أيسر وأقل.
كما أضاف أن المنح تأتي من رحم المحن ، والبشائر تأتي بعد الشدائد ، يقول تعالى : "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" ، فكل مبتلى على محك الاختبار، والله تعالى رافعه ، وأشد الناس ابتلاء الأنبياء ، ثم الأولياء ، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل ، فما يصيب الإنسان من أذى أو تعب إلا كفر الله عنه به خطاياه.
وفي كلمته أكد الشيخ / محمد الدومي أن مصطلح النظام العام يعني مجموع القواعد الآمرة التي لا يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالفها ، بل من يخالفها يوقع عليه عقوبة ، كمن يخالف حارات السير ، أو يكسر إشارة المرور ، وهذه القواعد مصادرها عديدة وكثيرة منها : الدين، فلا يصح للأفراد الاتفاق على إباحة القتل ، أو السرقة ، أو الزنا ، وللنظام العام أهداف عديدة وغايات كثيرة منها : الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع ، وكذلك الحفاظ على الصحة العامة، باجتناب كل ما يؤثر عليها، وبصفة خاصة في زمن الأوبئة والأمراض الجائحة ، فجميع الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدولة لمواجهة فيروس كورونا تعد من النظام العام الذي لا يحق للأفراد التعدي عليها ، ولا العمل بغيرها ، بل ينبغي على الأفراد احترامها وتطبيقها بشكل حازم وجازم ، كما أن من أهداف وأركان النظام العام المحافظة على السكينة العامة .
كما بين أن النظام العام بمفهومه السابق يتفق مع الشريعة الإسلامية في قواعدها العامة ، وأن كل مجتمع ودولة لها نظامها العام الذي قد يختلف عن دولة أخرى ، فهو يشكل هويتها ، فقد تختلف كل دولة عن الأخرى في نظامها ، فلا يحق لمن يكون في دولة أن يخالف نظامها العام بحجة أنه يتعارض مع مبادئه ، وهذا ما نص عليه السادة فقهاء الشريعة الإسلامية ، كما أن من حق ولي الأمر أن يقيد الأمر المباح ، وأن يتدخل ليضع ضوابط لاستعمال هذا المباح ، ضاربا فضيلته أمثلة عديدة لهذا منها : تقييد سن الزواج، ومنع الزواج المبكر؛ لما يترتب عليه من أضرار كثيرة والتي تؤثر سلبًا على صحة الأمهات ، حيث إن هذا من الأمور المباحة التي يحق لولي الأمر أن يقيدها ، وكذلك وجوب تطعيم الأطفال من الأمراض التي تحددها وزارة الصحة ، ووجوب التباعد بين الناس في جائحة كورونا ... إلى غير هذا من الأمور العامة والتي تشكل النظام العام لكل دولة .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة