تواصل مجلة ديوان الأهرام الفصلية التى تصدر عن مؤسسة الأهرام، فى عددها الجديد الذى يحمل رقم 43 (يوليو 2020)، والتى ترأس تحريرها الكاتبة الصحفية زينب عبدالرزّاق، ملفاتها، تتناول فى ملفها الرئيسى ــ تزامنا مع جائحة كورونا ــ تاريخ (الطب فى بر مصر)، وما قدمته الأطقم الطبية (أطباء وممرضات وعاملين فى المجال الصحى) من تضحيات عبر تاريخهم الطويل وحتى الآن.
ولم تكن تلك التضحيات جديدة أو غريبة على جيش مصر الأبيض، فهذا العطاء هو عصير روحهم ، وسر فلسفتهم التى استقوها عبر التاريخ من أجدادهم العظام، الذين نثروا بذور الحضارة عبر العالم، وأرسوا دعائم العلم فى أنحاء المعمورة.
وتشير (ديوان الأهرام) إلى كونهم أبناء "إيمحوتب" إله الشفاء وأقدم طبيب عرفته البشرية، وأنهم خريجو "مدرسة الطب المصرى القديم" التى يشير مصطلحها إلى الطب المستخدم فى الفترة من القرن الثالث والثلاثين قبل الميلاد وحتى غزو الفرس لمصر عام 525 ق.م، تلك المدرسة التى حارب فرسانها الملاريا والكوليرا والطاعون، والتى كان الطب خلالها متقدما للغاية حسبما يؤكد الدكتور زاهى حواس فى مقاله ضمن هذا الملف، إذ يشير إلى أنه خلال تلك الحقبة قام الأطباء بعمل الجراحات وإصلاح كسور العظام وتركيب بعض الأدوية من النباتات والمواد الطبيعية، ودرسوا تشريح الجسم البشرى، كما كان لهم أساليبهم وخطواتهم المحددة فى الفحص والتشخيص.
وفى الملف نفسه ترصد المجلة رحلة الطب المصرى فى العصر الحديث من خلال شخصيتين محوريتين، هما "كلوت بك" مؤسس مدرسة الطب فى مصر عام 1827، والدكتورعلى إبراهيم، أول عميد مصرى لكلية الطب ورائد النهضة الطبية فى مصر الحديثة، إضافة لتناولها تاريخ التمريض المصرى منذ نشأته التاريخية ثم امتداداته وتطوراته فى العصر المسيحى على يد (الأخوات الصالحات) وفى العصر الإسلامى على يد (أمهات المؤمنين والصحابيات) وصولا لبدايات العصر الحديث في القرن التاسع عشر على يد الأجنبيات والفتيات الحبشيات والسودانيات اللاتى جلبهن محمد على لهذه المهمة، ويأتى هذا الرصد والتأريخ من "ديوان الأهرام" لمسيرة "الطب فى بر مصر" تحية لهذا الفريق المقاتل الذى يسقط منه كل يوم شهيد أو أكثر، ويكتب فرسانه فى كل يوم سطورا مضيئة فى سجل البطولة والتفانى والشرف.
وعلى ضفاف هذا الملف تقدم المجلة عددا من الموضوعات التى تتماس معه وتدعمه وتجلى الصورة أكثر حول ما يعانيه العالم الآن من وباء الكورونا وما الذى يمكن أن يصير إليه العالم مستقبلا ، فيكتبالدكتور مصطفى حجازى رؤيته الخاصة لـ (عالم ما بعد كورونا) مشيرا إلى أننا بصدد عقد وكأنه مدرج للتسليم والتسلم بين إنسانيتين.. وكأن الإنسانية تخلع عن كاهلها معاني ومصطلحات وأدوات - شكلت واقعها لثلاثمائة سنة - لتبدأ سطور أولى فى فصل جديد به مفردات اقتصاد جديد وسياسة جديدة، وعى جديد ومجتمع جديد.. بِسُنَةِ الحياة، جديد أفضل من سابقه ليس على إطلاقه ولكن بنسبية حياتنا، عالم ستحدد قسماته ثنائية سيكون لها القول الفصل فى ولاية عقل أو فى تسيد جهل.. فى عموم عدل أو فى تفشى ظلم.. فى رشادة تعاون أو فى شطط صراع.. فى تأجيج مخاطر أو فى ترسيخ سلم وأمن.. فى انطلاق اقتصاد أو تعثره.. فى نجاعة سياسة أو إخفاقها.. فى بقاء سلطة أو زوالها.. هى ثنائية " الوباء والذكاء"..!
كما تقدم (ديوان الأهرام) تحت عنوان (علماء قهروا الأوبئة) دور العلم فى مواجهة الأمراض التى تسبـّـبتْ فى قتل الملايين على مر التاريخ، حيث امتد ذلك الدور ليشمل الباحثين الكيميائيين وعلماء الأدوية وخبراء الطب الوقائى وغيرهم من أمثال إدوارد جنر و ألكسندر يرسين ولويس باســتور.
بينما تقدم زينب عبد الرزّاق قراءتها لرواية (الطاعون) للكاتب الفرنسى ألبير كامو، والتى تعد الرواية الأشهر فى عالم الأوبئة، والتى ترصد بدقة وحرفية عالية الصراع بين الدين والعلم فى مواجهة الوباء
وفى إطار اهتمام (ديوان الأهرام) بالفنون وعلى رأسها الفن التشكيلى تقدم المجلة ملفا آخر عن اثنين من أهم رموز الفن التشكيلى فى مصر، وهما الأخوان (سيف وأدهم وانلى)، حيث يقدم لنا الفنان عصمت داوستاشي قراءة مهمة لمسيرة الرائدين الكبيرين وتحليلا لأسلوبهما ومراحلهما الفنية بعد أن تحولا لمدرسة فنية مصرية رائدة قائمة بذاتها تحترم التقاليد الأكاديمية وتبحر فى عالم الحداثة، وبعدما تنقلا كالفراشات الجميلة العاشقة للفن بين أساليبه المختلفة الانطباعية والواقعية والرومانتيكية والرمزية والتجريدية فى تقنيات أقل ما يقال عنها إنها شعر وموسيقى الألوان.
ويتميز الملف باحتوائه على مجموعة كبيرة من لوحات سيف وأدهم وانلى ترصد من خلالها المجلة مراحل تطور أسلوب الفنانين الكبيرين.
وفى إطار حرصها على تعريف الأجيال الجديدة بالشخصيات التاريخية ودورها المهم فى حركة التحرر والنهضة المصرية تقدم (ديوان الأهرام) ملفا مهما عن (تماثيل الميادين .. شهود النهضة والكفاح الوطنى) أو الذين وصفتهم المجلة بأنهم (صامتون فى قلب الضجيج)، ويتزامن هذا الملف مع ما قامت به الدولة فى الفترة الأخيرة من تطوير وتجميل لميدان التحرير وتزويده ببعض المنحوتات ( المسلة والكباش الأربعة) ليكون خطوة تستعيد بها ميادين مصر جمالها الذى عاشته منذ نهايات القرن الـ 19، وبالتحديد فى عهد الخديو إسماعيل، والذى عرفت مصر الحديثة خلاله تشييد التماثيل في الأماكن العامة ، ويرصد الملف عبر صفحاته أهم وأشهر تماثيل الميادين فى مصر، حيث يعرض سيرة الشخص والحجر.. التمثال وصاحبه.. والميدان الذى خلدهما معا.
وللسينما العالمية فى "ديوان الأهرام" نصيب مميز فى هذا العدد، حيث تنشر موضوعين أولهما (مخرج يصور أحلامه)، والذى كتبه الناقد السينمائي عصام زكريا عن المخرج الإيطالى الكبير فيدريكو فيللينى الذى يحتفل العالم فى 2020 بمرور قرن على مولده، باعتباره واحدا من أهم فنانى السينما فى العالم، والذى أسهم إسهاما كبيرا فى تحويل السينما إلى فن راقٍ، لا يقل عن الشعر والموسيقى والأدب، وترك بصمة هائلة ليس فقط فى مجال السينما، بل الثقافة بمعناها الواسع الذى يشمل الإنتاج الفكرى وأساليب الحياة والعادات والتقاليد.
أما الموضوع الآخر فيتناول رحلة حياة "فيفيان لى .. ساحرة هوليود التى قتلتها الشهرة والاكتئاب"، وتتناول من خلاله المجلة سيرة الفنانة البريطانية التى غزت هوليوود منذ ثلاثينيات القرن الماضى، وشغلت العالم كله بجمالها الأخاذ وبفنها وتألقها خصوصا فى فيلميها الكبيرين (ذهب مع الريح) أمام كلارك جيبل و(عربة اسمها الرغبة) أمام مارلون براندو، وهما الفيلمان اللذان حصدت عن كل منهما جائزة أوسكار أحسن ممثلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة