واحدة من النصوص المسرحية التى صمدت أمام الزمن، واستطاع أن تصل إلينا، رغم فقدانها نظرائها من الأعمال الأدبية، كانت مسرحية "أوديب ملكا" للأديب الإغريقى القديم سوفوكليس، التى عرضت فى اليونان القديمة لأول مرة عام 429 قبل الميلاد، والمصنفة ضمن أفضل 100 عمل أدبى على مصر العصور، وفقا لمكتبة بوكلوين العالمية.
تعد مسرحيات سوفوكليس أكمل مصدرا لمأساة أوديب، ومن أجمل المسرحيات اليونانية القديمة التى حفظت إلى اليوم (ألفت بعد عام 450ق.م). وقد وصفها أرسطو فى كتابه "فن الشعر" بأنها أكمل نموذج لمأساة عرفها الإنسان، وتتناول "أوديب ملكاً" آخر أيام أوديب فى طيبة، أما أوديب فى كولونوس فتتحدث عن بقية أيامه فى كولونوس، وأما "أنتيجونه" فتتناول قصة ابنته التى رافقته بعد مقتل أخويها عند أسوار طيبة وصراعها ضد الطاغية كريون.
تدور أحداث المسرحية فى مدينة ثيبة، حيث كان الملك "لايوس" ملكا لطيبة وقد تزوج ولم ينجب، فذهب لمعبد دلفى (معبد يونانى يستطلعون منه النبوءات) ليعرف حلا لمشكلته فجاءت إليه العرافة بنبوءة (ونبوءة العرافة مستلقاة من الإله أبوللون)، أنه سينجب ولدا سوف يقتل أباه ويتزوج من أمه، فانزعج لايوس لهذه النبوءة ورحل لمنزله وهجر امرأته حتى لا ينجب ثم مرة بفعل كونه مخمورا حملت زوجته فانزعج لخوفه من النبوءة وانتظر حتى تمت ولادتها وأعطى الطفل لحارسه لكى يقتله، ثم ذهب به الحارس إلى الجبل وهو مقيد بالأغلال من قدميه (وهذا يفسر سر تسميته بأوديب التى معناها باليونانية القديمة المصفد بالأغلال أو الأرجل المتورمة) وبدلا من أن يلقيه فى الجبل ليموت تركه لراعى قابله فى هذا الجبل.
ولقد أشفق الراعى على الطفل وأخذه لملك وملكة كورنثة فهما لاينجبان وأعطاهم أياه، وأعتقد لايوس بأنه قد تخلص من أبنه ومن النبوءة، وتربى الطفل مع الملك والملكة وهو معتقد بأنهم أبواه حتى شب وأصبح يافعا، وذات يوم كان مع أصحابه فشككوه أنه ليس ابن ملك كورنتس والملكة فانزعج أوديب ورحل هو الآخر لدلفى لاستطلاع الأمر، خرج ليستشير الآلهة، فجاءت إليه النبوءة (ستقتل أباك وتتزوج من أمك)، فبهت أوديب ورحل عن بلده.
قد يكون لقصة أوديب أساس تاريخى حقيقى ولكن يستحيل تخليصها من العناصر الأسطورية التى شابتها، وتوارثتها الأجيال فى التراث اليونانى القديم وفى التراث الشعبى لبلدان كثيرة مثل ألبانية وفنلندا وقبرص وغيرها. وقد ورد ذكر مأساة أوديب فى "الأوديسة" لهوميروس تلميحاً مختصراً جداً.