حب الذات هو من الأمور الفطرية الغريزية التي خلق الله عز وجل الإنسان عليها.. فبها يكون الحفاظ على النوع ويستمر البقاء.. فلا شك انه من دون حب الإنسان لذاته لن يكون هناك حب للحياة والبقاء. كما أن الإنسان الذى لا يحب نفسه سيكون بالضرورة فاقدا للقدرة على عطاء الحب للآخرين، فمنطقيا فاقد الشيء لا يعطيه..
وعندما نتحدث عن حب الذات لا شك تقفز الى الذهن - الذى جلب على التنميط – كلمة "الانانية" بكل ما تحمله من قبح وسلبيات، والحقيقة أن هناك شعرة دقيقة تفصل بين " حب الذات " بالمفهوم الغريزي الطبيعي الفطري الذى خلق الله الانسان عليه وبين " الأنانية " و ما تحملها هذه الكلمة من سمات النرجسية والتعالي وغيرها من النزعات القبيحة المذمومة..
فحب الذات بالمعنى الإيجابي الفطري الحميد يعنى حب الحياة وحفاظ الانسان على نفسه وسعيه نحو تطويرها وإكسابها الصفات الطيبة الحسنة التي تعود عليه وعلى الاخرين بالخير والصلاح. فمن دون حب الذات الغريزي لن تتمكن الانثى – على سبيل المثال- من اختيار الذكر المناسب الذى يحمل أفضل الجينات التي تنشدها لنسلها وذريتها.. ومن دون حبها لنفسها لن تسعى الام الى الاهتمام بصحتها حتى يحصل جنينها و فلذة كبدها على الغذاء السليم فيخرج الى الحياة في افضل صورة، ومن ثم تستمر الحياة ويحفظ النوع ..
ومن الأمثلة الأخرى التي تحضرني في هذا السياق تلك العبارة الشهيرة - الثمينة - التي طالما سمعناها من مضيفة الطائرة قبل الإقلاع عندما ترشد الركاب الى كيفية التعامل مع المواقف الحرجة والطارئة، فتقول ناصحة " اذا ما تعرضت الطائرة لاحتمالات السقوط فارتدى قناع الأكسجين أولا قبل الشروع في مساعدة الصغار والأقربين ..أي ساعد نفسك أولا قبل مساعدة الآخرين، وهنا تتضح فلسفة حب الذات بالمعنى الإيجابي ..لأنه من دون مساعدة نفسك والحفاظ على حياتك لن تستطيع مساعدة الاخرين ..فبحب الذات الإيجابي المحمود تنجو وينجو معك وبمساعدتك الاخرين، وهذا بلا شك يتناقض تماما مع حب الذات السلبى الممقوت المعروف " بالأنانية" و التي فيها يكون الفرد متعلقا بذاته رافضا، لمساعدة الاخرين، متجاوزا كل حقوقهم ..يرى الحياة من منظور المنفعة الخاصة والشخصية، يعطى الأولوية فقط لاحتياجاته ومصالحه دون ادنى اعتبار لاحتياجات و مصالح الاخرين.. وهنا يبرز أيضا – في المقابل – ذلك المثل الكريه الذى اعتاد الناس تداوله و هو " ان جاءك الطوفان ضع ابنك تحت رجليك "، أي ضع اعز الناس لديك – فما بالك بالآخرين – تحت قدميك للمرور فوقهم للنجاة بنفسك. هي صورة شديدة القبح تصور الانسان في ابشع صور النرجسية و الفردية و التعالي واللامبالاة وكل صور الاعتلال النفسي والأخلاقي..
صورة قبيحة قد تتجلى وتتمايز في أوقات الازمات.. كالأزمة التي نعيشها الان مع تفشى جائحة كرونا.. حيث نسمع عن تخزين الادوية والأدوات اللازمة للعلاج دون الحاجة اليها، هذا فضلا عن المغالاة في أسعارها.. نسمع عن أسعار فلكيه للعلاج بالمستشفيات الخاصة في ظل تفشى المرض واستغلال عجز الدولة عن تقديم العلاج للجميع..
وأخيرا سمعنا عن ما يسمى بالسوق السوداء "لبلازما المتعافين"، حيث يرفض المتعافون من المرض التبرع بدمائهم التي تحمل الاجسام المضادة لمساعدة المرضى أصحاب الحالات الحرجة من دون الحصول على مبالغ طائلة نظير ذلك..!! ناهيك عن رفض الابناء استلام آبائهم المرضى فى دور رعاية المسنين أو استلام جثثهم بعد وفاتهم' وخروج اهالى قرية بأكملها لمنع دفن طبيبة توفاها الله بعد معاناة مع المرض خوفا من العدوى.. صور للأسف شديدة القبح تجسد الانانية أو بالأحرى اللاإنسانية والتوحش. داء خطير يهدد مجتمعاتنا يقتضى التوقف والانتباه من الجميع على كافة المستويات.. مرض عضال اذا ما انتبهنا إليه وعالجناه بكل السبل الممكنه فقد يؤدى الى الهلاك ليس بسبب" كرونا "و انما بسبب الانانية المتوحشة و التي تشكل نوعا من التهديدات المجتمعية شديدة الخطورة.. فهل هناك اخطر من مجتمع على استعداد ان يدوس أبناؤه بعضهم البعض، ووضع ضعفاءه تحت الارجل وقت الازمات ؟! ..الناس في سكينه فان جاءتهم المحن تباينوا.."
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة