تصف مخطوطات بردية مصرية قديمة بإيجاز ما يمكن أن يكون جدرى حتى أن "الحيثيين" الذين عاشوا فى الشرق الأوسط، اتهموا المصريين بإصابتهم بالمرض خلال حرب بين الإمبراطوريتين.
وفى تقرير نشره موقع "هيستورى" عن الوباء القاتل الذى ظهر منذ العصور القديمة، يتكهن العديد من المؤرخين أن الجدرى أدى إلى طاعون أثينا المدمر فى عام 430 قبل الميلاد، والطاعون الأنطونى من 165 إلى 180 م، الذى قتل فى وقت لاحق ما يقدر بـ 3.5 مليون إلى 7 ملايين شخص، بما فى ذلك الإمبراطور ماركوس أوريليوس، وعجل بانحسار الإمبراطورية الرومانية.
ورغم أن مصطلح الحروب البيولوجية يبدو حديثا، إلا أن استخدام هذا النوع من الحروب عرفه الإنسان من زمن قديم، وعرف طريقه فى الحروب والانتصارات القديمة، فكان وسيلة استراتيجية للقادة العسكريين على مر العصور، وهو الاعتقاد الذى ساد فى بدايات انتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" إلا أن تقديرات منظمة الصحة العالمية والمؤسسات البحثية لم تصل لتأكيدات على ذلك.
ووفقًا لكتاب "عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور" لسوزان سكوت وكريستوفر دنكان، فإن تاريخ الحروب البيولوجية طويل وغير مبتكر، مستشهدًا بأن قصة العهد القديم المذكورة فى سفر الخروج فى الإصحاح التاسع والعددين ٨ و٩ التى ينصح فيها الرب موسى أن يذر الرماد أمام فرعون تعد مثالاً على حرب جرثومية ووصفًا لموجة تفشى الجمرة الخبيثة؛ إذ لا بد أن الغبار قد تحول إلى هباء جوى من بكتيريا العصيات لأنها صارت «دمامل متقيحة على كل من الإنسان والحيوان".
كذلك فى القرن السادس قبل الميلادى لوث الآشوريون آبار أعدائهم بمهماز الشيلم (فطر الإرجوت)، وهو نوع من المرض الفطرى، واستخدم حكيم أثينا سولون عشب الخربق فى تسميم موارد مياه أهل مدينة كريسا.
ومنذ ما يزيد على ألفى عام، غمس رماة السهام السكوثيون رءوس سهامهم فى روث الحيوانات والجثث المتعفنة لرفع قدرة أسلحتهم على الإماتة، وكما رأينا قبلاً، قذف جثث ضحايا الطاعون من فوق جدران المدينة على أمل نقل العدوى إلى العدو إبان طاعون أثينا وحصار كافا.
وبات الجدرى طريقة لإخضاع القبائل الهندية فى أمريكا الشمالية، ففى إحدى المرات، إبان الحرب الفرنسية والهندية فى كندا، قيل إن السير جيفرى أمهيرست أهدى زعماء القبيلة أغطية ملوثة بقشور الجدري؛ ما نقل العدوى إلى السكان وسهل الزحف البريطاني، استخدم البريطانيون أيضًا أغطية ملوثة بالجدرى لنقل العدوى إلى أفراد قبيلة فى معقِل فورت بيت على حُدود بنسلفانيا عامَ ١٧٦٣.
جريج بورلاند، زعيم قبيلة تشايين ريفر سيوكس بجنوب ولاية داكوتا، سليل امرأة من الأمريكيين الأصليين لقيت حتفها جراء الإصابة بالجدرى، وكانت تدعى بلو إيرنجز، وهو يزعم أنه، على عكس الأوروبيين، لم يكون السكان الأصليون لأمريكا الشمالية مناعة ضد المرض، ويطالب بتطعيم جماعى لأبناء قبيلته تحسبًا لوقوع هجوم بيولوجي.
فى عام ١٧٩٧، نقل نابليون إلى أهل مدينة مانتوفا عدوى حمى المستنقعات، وثمة روايات عن جنود قاموا إبان الحرب الأهلية الأمريكية بتسميم موارد المياه عن طريق الإلقاء عمدًا بجيف الحيوانات فى برك المياه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة