محل صغير فى أحد الشوارع الجانبية بحى روض الفرج وتحديا فى شارع فوزى يعمل فى كى الملابس بالبخار "الدراى كلين" ولكنه يتمتع بشهرة كبرى بين الأهالى ليس بسبب تميزه او تفرده بشىء ما، وربما تكون مررت عليه عشرات المرات ولا يثير انتباهك فهو لا يختلف عن عشرات المحلات العاملة فى هذا النشاط ولكن تعود شهرته إلى مالكه الحاج عبد العال أو الدكتور بهاء كما يطلق عليه أهالى الحى والذى يعمل فى تغسيل وتكفين الموتى منذ أكثر 22 عامًا واتجاهه مؤخرًا لتغسيل المتوفين بسبب الإصابة بفيروس كورونا وهى المهمة التى يبتعد عنها العديد خوفا من العدوى.
قد تشكل الصدفة استثناء فى حياة البعض ولكن فى هذه الحالة كانت هى القاعدة التى بدأت مع الطالب وقتها "عبد العال سعد الدين" بعمر20 عما واستمرت معه حتى بلوغه مشارف الستين وشهرته نتيجة تطوعه فى تغسيل المتوفيين بسبب فيروس كورونا، فبعد حصوله على دبلوم التجارة وفشله فى الحصول على عمل لمدة ثلاثة سنوات حتى أرسل له والده ليتلحق به للعمل موظف فى أحد شركات المقاولات وفور خضوعه للكشف الطبى كأجراء روتيى قبل استلام العمل فى إدارة الحسابات عرض عليه رئيس الإدارة الطبية العمل معه بالإدارة وصدر له قرار تعيين للعمل فى السكرتارية مسئولًا عن الأرشيف فى الإدارة الطبية بالشركة.. بحسب قوله.
" تعرف تسوق سيارة إسعاف" هذه هو التساؤل الذى وجه له من رؤسائه بعد أيام قليلة من استلام العمل المكتبى بسبب تعرض أحد العامل بالشركة لحادث وتعذر نقله بسيارة الإسعاف لغياب السائق.
وقال:"برغم رهبة الموقف ولكننى لم أتردد فى قبول المهمة وصعدت للسيارة بصحبة المسعفين لنقل المصاب ولكنه توفى نظطرا لشدة إصابته وشاهدت عملية غسله وتكفينه ومنذ هذه اللحظة أصبحت مسئولا عن قسم الحوادث وهو ما أتاح لى فرصة مخالطة المسعفين والأطباء والتعرف على طريقة عملهم واكتساب العديد من المهارات .
الحاج بهاء مع محرر اليوم السابع
تغسيل الموتى
بحكم عمله كمسئول عن الحوادث فى الشركة كان شاهدا على العديد من إسعاف المصابين أو الذهاب بالجثة فى حال الوفاة إلى المغسلة بناء على التفويض الممنوح له من قبل الشركة وهو ما اتاح له مشاهدة عمليات الغسل عدة مرات حتى اتقنها تماما وبدأ فى مساعدة العاملين فى مغسلة الموتى وذاعت شهرته بسبب ممارسة ذلك العمل لمدة قاربت على العشرين عامًا متصلة مدة عمله بالمملكة العربية السعودية قبل أن يتخذ قراره بالعودة للأراضى المصرية وافتتاحه محل "كى ملابس بالبخار".
وقال :" بعد العودة من السعودية وافتتاحى لمحل كى الملابس بالبخار كان خافيا على المحيطين بى أمر تطوعى فى تغسيل الموتى والذى بدأ فى الإنتشار تدريجيا بين دائرتى المقربة ثم بدأ يتسع فى نطاق الحى الذى أسكن به .
التخلى سبب التطوع
حركة غير عادية شاهدها وهو جالس على كرسية أمام محله لعدد جيرانه الذى توفى احد أفراد أسرتهم منذ عدة ساعات وتأخرهم فى دفنه بسبب عجزهم عن توفير مغسل له.
" أصلها ديه حالة كورونا والكل خايف" جملة همس بها فى أذن " الحاج بهاء" ،من أحد المرافقين للأسرة مفسرا بها عزوف العديد من المغسين مرافقة الأسرة لتغسيل المتوفى ليتخذ قراره على الفور بقبول هذه المهمة.
وقال:" خلال عملى أكثر من 20 عاما فى قسم الحوادث شاهدت العديد من الحوادث وقمت بتغسيل عشرات الموتى وعاصرت العديد من القصص لأصحابها اكسبتنى الصلابة والثبات فى المواقف ولكننى لم أتمالك نفسى فى هذا الموقف الذى اهتز معه كامل جسدى وهو رفض العديد من المغسلين تغسيل الميت مع حيرة أفراد الأسرة والذين لم يستوعبوا فى بداية الأمر قبولى المهمة خاصة بعد علمهم معرفتى سبب الوفاة " .
وهو ما يفسره بقوله: "تداول المعلومات المغلوطة سواء لعدد الإصابات أو معدل الوفيات عبر مصادر غير مختصة أو تداول المعلومات من غير المختصين تسبب فى حدوث حالة فزع كبرى بين المواطنين فمع التسليم بخطورة الفيروس والذى قد ينتهى بالوفاة ولكن يمكن الوقاية من هذه المخاطر مع أخذ الأحتياطات اللازمة".
رفض الأسرة
لم يكن التطوع فى غسل حالات الوفاة الناتجة عن كورونا بالقرار السهل خاصة على أسرته التى حاولت منعه خوفًا عليه من الإصابة أو تسلل العدوى والإنتشار داخل المنزل ولكن كان حماسه للمهة تغلب على مخاوفهم وهو ما يوضحه بقوله:" وجدت معارضة غير عادية من قبل أسرتى المكونة من ثلاثة أبناء بهدف اثنائى عن ذلك القرار خوفا على من الإصابة أو التسبب فى إصابة فى أحد أفراد المنزل بالعدوى ولكن بعد وقت طويل استطعت اقناعهم من خلال أخذ الأحتياطات اللازمة وارتداء الزى الخاص والأدوات الخاصة التى تكفل الوقاية من المرض بجانب أنها مهمة إنسانية فى المقام الأول" .
أدوات المهمة
بدلة عازلة - وقفازات - وماسك خاص وحذاء بلاستيك مخصص هى الأدوات التى يعتمد عليها الحاج " بهاء" خلال أدائه لمهمته فى غسل المتوفيين بفيروس كورونا وذلك لمنع انتقال العدوى إليه ، ويشرح الحاج "بهاء" طريقة عمله بقوله: "أبدأ مهمتى أولاً بالمياه والصابون ثم رش بعض المواد المطهرة المخففة وذلك ضمن الأجراءت الوقائية يعقبها بعد ذلك أجراءت الغسل العادية وتوضئة الميت ثم استخدام الكافور والبخور وتطيب الكفن ثم احاطته بأكياس عازلة وتسليمه لأهله"
الخداع
تجنب للمشقة والتنمربهدف تجنب المشقة فى البحث عن مغسل أو تجنبًا يلجأ بعض أهالى المتوفين بسبب فيروس كورونا إلى إخفاء سبب الوفاة الحقيقي وذلك تجنبًا أيضا لبعض التنمر وهو ما قد يعرض المغسل المتطوع لخطر الإصابة بالعدوى وهو ما يوضحه بقوله :"فى بعض الحالات يضطر بعض الأهالى إلى أخفاء السبب الحقيقي للوفاة إذا كانت ناتجة عن فيروس كورونا وهو ما شاهدته بنفسى حيث لجأ لى أحد أقارب المتوفين بكورونا وطلب معى الذهاب إلى منزله لتغسيل شقيقه وعند سؤاله عن سبب الوفاة كان حريص على التأكيد أن الوفاة طبيعية ولكننى استطعت من خلال الخبرة الكشف أن الوفاة بسبب الفيروس".
خطورة أخفاء سبب الوفاة يوضحها "الحاج بهاء" بقوله:" من الممكن أن يعرضنى ذلك لخطر الإصابة بالعدوى بسبب عدم اتخاذ الأحتياطات اللازمة وإحضار الملابس الوقائية .
الدعوى لقبول متطوعين
على الرغم من الجهد الكبير الذى يبذله الرجل الستينى العمر الموزع بينع عمله فى محله الخاص مصدر رزقه الوحيد الأن وبين قبوله مهمة غسل الموتى بشقيها سواء فى حالات الوفاة أو المصابين بكورونا إلا إنه حريص على تلبية كل النداءت التى تصل إليه ويقول:" أحيانا أقوم بتغسيل حالين وثلاثة سواء وفاة طبيعية أو حالة كورونا ورغم ذلك أحرص على الوفاء بها جميعا باعتبارى متطوع وأشعر بأننى جندى مسخر من قبل الله لأداء هذه المهمة ولكن أدعو بعض المتطوعين إلى التخلى عن مخاوفهم وقبول غسل المتوفيين من حالات كورونا بالتزامن مع أخذ الأحتياطات اللازمة باعتبارها مهمة إنسانية وقومية.