انطلقت صافرة انتخابات أول مجلس للشيوخ بعد التعديلات الدستورية التى أجريت عام 2019، والتى أعادت الحياة النيابية فى مصر إلى نظام المجلسين، لاسيما بعدما أظهرت التجربة العملية فى ظل قصر دستور2014 السلطة التشريعية على مجلس النواب، مدى أهمية الغرفة الثانية لاسيما والدور الفاعل الذى قام به مجلس الشورى السابق وبصماته الواضحة.
ومع عودة مجلس الشيوخ، يمكننا إلقاء الضوء على تاريخ الغرفة الثانية على مدار 196 عاماً والمتأرجج بين اللغاء والعودة لاسيما تاريخ البرلمان المصرى حافل بمشوار طويل، حيث يعد أقدم مؤسسة تشريعية فى الوطن العربي، والتى بدأت منذ تولى محمد على الحكم وتكوين المجلس العالى عام 1824، ووضعه للائحة الأساسية للمجلس العالى فى يناير 1825 المحددة لاختصاصاته، إلى أن جاء الخديوى إسماعيل فى 1866م ليقوم بإنشاء أول برلمان نيابى تمثيلى بالمعنى الحقيقى وهو مجلس شورى النواب، وتطور ذلك عبر مراحل حتى إعلان دستور 1923، ذلك الدستور الذى مثل نقلة كبيرة على طريق إقامة الحياة النيابية السليمة فى مصر، وقد تكون البرلمان فى ظل ذلك الدستور من مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
ومع تولى الرئيس محمد أنور السادات الحكم دعا مجلس الأمة فى 20 مايو 1971 لإعداد دستور جمهورية مصر العربية الدائم وعرضه على الشعب للاستفتاء وفى يوم 11 سبتمبر 1971 صدر الدستور المصرى الدائم بعد الاستفتاء الذى أجرى عليه، والذى بدأت معه مرحلة جديدة من تاريخ مصر الحديث والمعاصر وفى ظل جرت انتخابات مجلس الشعب الذى عقد أولى جلساته فى 11 نوفمبر 1971 ثم جاء الاستفتاء الذى جرى يوم 19 أبريل 1979، والذى وافق فيه الشعب المصرى على إنشاء مجلس الشورى، وعقد مجلس الشورى أولى جلساته فى أول نوفمبر 1980، ومعه عادت فكرة وجود مجلسين تشريعيين فى الحياة النيابية.
وقد قصر دستور 2014 السلطة التشريعية على مجلس النواب فقط، لتظهر الممارسة العملية أهمية وجود غرفة ثانية للسلطة التشريعية، خاصة بعد تقييم الدور الفاعل الذى قام به مجلس الشورى المصرى وبصماته الواضحة والدراسات التى تقدم بها منذ إنشائه وحتى صدور قرار حله، كما أن الغرفة الثانية أثبتت نجاحاً عملياً داخل العديد من الدول التى أخذت بهذا النظام ومنها فرنسا وايطاليا والهند والبرازيل والأرجنتين وكندا وجنوب أفريقيا واستراليا واليابان وسويسرا، وبناء على التعديلات الدستورية الأخيرة، تم الاستفتاء على عودة الغرفة الثانية للبرلمان "مجلس الشيوخ".
ويستعرض الدكتور صلاح فوزي، أستاذ القانون الدستوري، التفاصيل التاريخية لمجلس الشيوخ وتشكيله، انطلاقاً من أول مجلس شكلة محمد على باشا عام 1824 تحت مسمى (المجلس العالي) وكان رئيسية محمد بيك كلاظ، ومعظمه أعضاء معينين ومنهم نظار الدواوين ( الوزراء آنذاك) بالإضافة إلى 2 من الأعيان فى كل مديرية ينتخبهم الأهالي، و2 من العلماء يختارهم شيخ الأزهر، ليُشكل لاحقا مجلس المشورة عام 1829 بعدد أعضاء 156 ينتخب منهم 99 عضواً و57 معينا وتولى رئاسته إبراهيم باشا نجل محمد على وكان ينعقد مرة واحدة فى السنة.
المجلس الثالث، كان مجلس شورى النواب واستمر خلال الفترة من 1866 حتى 1882 حسبما يؤكد فوزي، وكان عدد أعضائه 76 ثم تم زيادتها إلى 80 عضواً، بسبب الزيادة السكانية، ليأتى لاحقاً مجلس شورى القوانين خلال الفترة 1883 حتى 1913 بعدد 30 عضواً منها 14 معين من بينهم الرئيس وأحد الوكلاء و16 منتخباً منهم وكيل واحد، بالاضافة إلى الجمعية العمومية والتى ارتفع فيها عدد الأعضاء إلى 83 عضواً عبارة عن مجلس شورى القوانين بالإضافة إلى الوزراء، ليتحول اسمها لاحقاً إلى الجمعية التشريعية والتى تزامنت مع الحرب العالمية الأولي، حيث كان أول تاريخ انعقاد لها فى 22 يناير 1914 وانتهى الدور فى 17 يوليو نفس العام، وتم تعطيل الحياة النيابية فى مصر عام 1914 بسبب الحرب العالمية الأولى ولم تعقد الجمعية أى إجتماعات حتى تم حلها فى 8 إبريل 1923.
ويستكمل فوزى حديثة، أنه مع دستور عام 1923 نص على وجود مجلس الشيوخ ليؤلف من عدد من الأعضاء على أن يعين الملك خمسين عضواً، مقابل انتخاب ثلاث أخماس بالاقتراع العام، ثم يأتى بعد ذلك دستور 1930 لينص على أن يؤلف مجلس الشيوخ من 100 عضواً يعين الملك 60 منهم وينتخب الـ40 الباقيين على درجتين بالاقتراع غير المباشر، ليعود العمل فى عام 1935 مجدداً بدستور 1923 حتى ثورة يوليو 1925.
وألغى مجلس الشيوخ، مع دستور 1956 الذى أقر نظام المجلس الواحد تحت مسمى "مجلس الأمة"، ومع الوحدة بين مصر وسوريا صدر الدستور المؤقت 1958 وجاءت المادة 13 منه بأن السلطة التشريعية يتولاها مجلس الأمة ويحدد عدد أعضاءه ويتم اختيارهم بقرار من رئيس الجمهورية بشرط أن يكون نصفهم من بين أعضاء مجلسى النواب السورى والأمة المصرى قبل الوحدة.
ويعود فوزي، مستكملاً حديثة، ليؤكد أنه بعد الانفصال بين مصر وسوريا، شهدت القاهرة صدور دستور 1964 ليستمر العمل فيها بنظام المجلس الواحد، حيث نص على أن السلطة التشريعية ممثلة فى مجلس الأمة على أن ينتخب أعضاؤها بالاقتراع السرى العام، ويعين رئيس الجمهورية عدد لا يزيد عن 10 أعضاء، ويٌشترط نصف أعضاء المجلس على الأقل من العمال والفلاحين.
ليأتى دستور 1971 ، ليتبنى أيضا نظام المجلس الواحد، حيث نص على أن مجلس الشعب يتولى سلطة التشريع ولا يقل عدد أعضاءه عن 350 عضواً نصفهم من العمال والفلاحين على الاقل، وينتخبون فى اقتراع سرى عام مباشر على أن يعين الرئيس عدد لا يزيد عن 10 أعضاء، ثم أدخل تعديلا عليه استحداث باب جديد الباب السابع تحت مسمى " احكام جديدة مجلس الشورى"، الذى عاد 1980 واستمر الوضع بالعمل بنظام المجلسين حتى وضع دستور 2014 الذى ألغى مجلس الشورى ونص على مجلس النواب فقط، الأمر الذى لم يستمر طويلا لتأتى التعديلات الدستورية التى وافق عليها الشعب عام 2019 لتقر عودة مجلس الشيوخ..