عقدت وزارة الأوقاف، ندوة للرأى تحت عنوان:"فضل الأعمال الصالحة فى عشر ذى الحجة" بمبنى الإذاعة والتليفزيون، تحدث فيها الدكتور أيمن أبو عمر وكيل الوزارة لشئون الدعوة، والدكتور محمد أبو ستيت مدير عام التكليفات.
وفى كلمته أشار الدكتور أيمن أبو عمر إلى أنه لابد من وقفة متأنية للإنسان مع نفسه يُعَمر بها حياته ، ويسعد بها ، لا سيما فى هذه الأيام العشر المباركة ، مؤكدا أن صور إعمار الحياة كثيرة منها : الإنفاق فى سبيل الله تعالى ؛ فالتكافل والتراحم روح الإسلام ، يقول سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" ، وهو ما يتناسب مع جائحة " كورونا" التى يتعامل العالم معها.
وتابع أبو عمر:"حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِى حَمِيدٌ " ، مبينًا أن إطعام الطعام من أعظم القربات إلى الله تعالى ، وأنه طريق لإرساء المحبة بين أفراد المجتمع ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : " أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ" ، وينبغى لتحقيق هذه العبادة أن يخلص فيها الإنسان لله تعالى ، فهو غنى سبحانه عن طاعة الطائعين ، يقول تعالى فى الحديث القدسى : " لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِى مُلْكِى شَيْئًا يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا، يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْت كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَته، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِى إلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي! إنَّمَا هِى أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَن إلَّا نَفْسَه" والإخلاص يتحقق بنسيان رؤية الخلق, ودوام رؤية الخالق .
كما بين أبو عمر، أن التقرب إلى الله تعالى بالأضحية هو من أفضل العبادات فى أيام النحر ، وثوابها عظيم عند الله تعالى ، يقول سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عمَلاً أحَبَّ إلى اللهِ (عزَّ وجلَّ) مِنْ هراقةِ دَمٍ، وإنَّهُ ليَأْتِى يَوْمَ القِيامَةِ بِقُرُونِها وأظْلافِها وأشْعارِها، وإنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِن اللهِ (عزَّ وجلَّ) بِمَكانٍ قَبْلَ أنْ يَقَعَ على الأرْضِ، فَطِيبُوا بِها نَفْسًا" ، وأنه ينبغى على العبد أن ينفق مما يحب حتى ينال رضا الله تعالى ، حيث يقول الحق سبحانه: " لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ" ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا".
وفى كلمته بين الدكتور محمد أبو ستيت أن الإسلام نقل كرم الضيافة إلى سلوك عام للمجتمع ، فجعل لإطعام الطعام منزلة عظيمة ، يقول تعالى : " أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ"، فأهل الكرم من أهل اليمين ، بل من الأبرار ، يقول تعالى: " إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ، عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ، يوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا " .
وأوضح أبو ستيت، أن الأضحية سنة مؤكدة ، وهى شعيرة من شعائر الله تعالى ترتبط بنسك الحج ، يقول تعالى : " ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ"، وقد شرعت الأضحية امتثالًا لأمر النبى (صلى الله عليه وسلم) ، فعن سيدنا أنس بن مالك (رضى الله عنه) قال: "ضَحَّى النبى (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا" ، ولما سئل عنها : "يا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْأَضَاحِى ؟ قَالَ : سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالُوا : فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ ، قَالُوا : فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنْ الصُّوفِ حَسَنَةٌ"، مبينًا أنه كما تتحقق الأضحية بالذبح تتحقق بالصك ، ولا شك أنه يعظم من نفع الأضحية ، وبخاصة لمن لا يملك آلية لتوزيعها على الوجه الأمثل ، مما يجعلها تصل عبر منظومة الصكوك إلى مستحقيها الحقيقيين، وهو ما يزيد من نفع الأضحية وثوابها فى آن واحد، كما أنه يحقق إيصال الخير إلى مستحقيه بعزة وكرامة وآلية لا تمتهن آدمية الإنسان أو تنال منها.
وفى ختام كلمته أكد الدكتور محمد أبو ستيت أن مشروع صكوك أضاحى الأوقاف يتم تنفيذه فى إطار الضوابط الشرعية ، وأن جميع المبالغ تترجم إلى أضاحى دون أى مكافآت أو مصروفات إدارية ، وأن العمل فى هذا المشروع يُدار باحترافية عالية وفق سياسة واضحة وهى الاهتمام بالأسر الأكثر احتياجًا والأولى بالرعاية، كما أن من مميزات هذا المشروع أنه مشروع متكامل تقوم به وزارة الأوقاف بالتعاون مع وزارة التموين ووزارة التضامن والبنوك والمحافظات .