نقرأ معا كتاب "سيكولوجية الجنس" لـ يوسف مراد، الذى يناقش العلاقة الأسرية، والعلاقة بين الرجل والمرأة، وما يحدث بينهما من مشاعر وعلاقات.
يقول الكتاب تحت عنوان "الخصائص الجسمية"
لسنا فى حاجة إلى أن نُثبِت وجود فوارق جسمية بين الجنسين؛ فإن الاختلافات القائمة بينهما من حيث الشكل والتركيب الجسمى واضحة. هناك اختلافاتٌ أدق من حيث الوظائف الفسيولوجية والتركيب الكيميائى للسوائل العضوية، وترجع هذه الاختلافات فى أصلها إلى التركيب الدقيق للخلايا لكلٍّ من الذكر والأنثى؛ فمن المعلوم أن نواة الخلية تحتوى على عدد من العوامل الوراثية المختلفة التى تُعيِّن الخصائص الجسمية، ومنها الخصائص التى تُميِّز بين الجنسَين.
فإذا نظرنا مثلًا فى وزن الجسم، فنجد أن متوسط الوزن عند الولادة أكبر عند الذكر منه عند الإناث بمقدار ٥٪، وتصل هذه الزيادة عند الشهر العشرين إلى ٢٠٪؛ غير أن سرعة النمو فى كلٍّ من الجنسَين مختلفة؛ فالصبى يحتفظ بتفوقه فى الوزن حتى سن الحادية عشرة، ثم تأخذ النسبة فى الهبوط، حتى إن فى سن الرابعة عشرة تفوق البنت الصبى فى وزن جسمها بمقدار ٥٪، ثم يسترجع الصبى تفوقه ابتداءً من سن السادسة عشرة حتى تصل نسبة التفوق إلى حوالَى ٢٠٪ فى سن العشرين.
أما فيما يختصُّ بطول القامة، فالنمو يسير وفقًا لسير النمو فى وزن الجسم، غير أن نسبة الزيادة أو النقصان أقل؛ فطول القامة عند الذكور أكبر منه عند الإناث من الولادة حتى سن الحادية عشرة، ولكن بنسبة ٢٪ على الأكثر، ثم تنعكس هذه النسبة بين الحادية عشرة والرابعة عشرة، فتفُوق البنت الصبى فى طول قامتها بمقدار ٢٪، ويقف النمو فى الطول لدى الفتاة حوالَى سن السابعة عشرة، فى حين أنه يستمر لدى الفتى حتى سن العشرين، فيفُوق الفتاة فى طول قامته بمقدار ١٠٪.
وليس ما يدعو إلى التنبيه بأن هذه الأرقام هى متوسطات تنطبق على المجموعة ككُلٍّ، وقد لا تنطبق على فرد بالذات؛ أى إن هناك تداخلًا أو تطابقًا بين مُنحنيات التوزيع لمقاييس الوزن والطول، وإن الاختلافات المُشاهدة بين الجنسَين قد توجد بين أفراد من الجنس الواحد.
وكذلك نجد الصبى يفوق البنت من حيث القوة العضلية، ويفوقها فى القوة العضلية لقبضة اليد اليمنى بمقدار ١٠٪ فى سن السابعة، ثم تستمر الزيادة حتى سن العشرين حتى تصل إلى ٥٠ أو ٦٠٪، فى حين أن نمو القوة العضلية فى البنت يميل إلى التوقف عند سن السادسة عشرة، ويسير نمو القوة العضلية فى سائر الأعضاء على نفس هذا المنوال.
كما لُوحِظ أيضًا أن استجابة الصبى العضلية أشد منها فى البنت؛ فهو أميل إلى الحركة وإلى النشاط العضلى الخارجي.
وربما يرجع هذا التفاوت فى النشاط العضلى إلى الفرق الموجود بين الجنسَين من حيث سعة التنفس، أو ما يُسمِّيه العلماء بالمقدرة الحيوية، وهى تُقاس بكمية الهواء التى يحتفظ بها الشخص فى رئتَيه؛ فالقول بأن المقدرة الحيوية عند الصبى أكبر منها عند البنت يُفيد أنه يستنفد كميةً أكبر من الأكسجين، وهو من مصادر الطاقة فى الجسم، وممَّا يُعين الشخص على مواصلة مجهوده مدةً أكبر. ولا شك فى أن تفوق الصبى فى المقدرة الحيوية يُفسِّر لنا الفوارق التى نُشاهدها بين الجنسَين فى اختيار ألعابهم وقدرتهم على إتمام التحصيل ومواصلة النشاط واختيار نوع هذا النشاط؛ فتفوُّق الصبى فى المقدرة الحيوية يبلغ ٧٪ فى سن السادسة، ومن ١٠ إلى ١٢٪ فى سن العاشرة، حتى يصل إلى ٣٥٪ فى سن العشرين. وممَّا هو جدير بالملاحظة أن النسبة بين القدرة الحيوية ووزن الجسم تكون دائمًا أكبر فى الذكور وفى جميع الأعمار؛ ومعنى هذا أن بالقياس إلى وزن جسمه فإن الرجل يستهلك كميةً أكبر من الوقود، ويُنتِج كميةً أكبر من الطاقة.
وممَّا لا شك فيه أن تفوُّق الرجل فى القوة العضلية والمقدرة الحيوية والقدرة على التحمل، من العوامل الهامة التى يجب اعتبارها عندما نتناول بالتفسير ما يُلاحَظ على الرجل من نزعةٍ قوية نحو العدوان والسيطرة فى العلاقات الاجتماعية؛ ولكن يجب فى الآن نفسه عدم إغفال ما قد يكون للتربية من أثرٍ بليغ فى توجيه هذه النزعة وإعلائها.
أما فيما يختصُّ بسرعة النمو والسير نحو اكتمال النضج، نُلاحِظ أن البنت تفُوق الصبى فى هذا المجال؛ ففى جميع الشعوب وفى جميع مناطق الأرض تصل البنت إلى البلوغ قبل الصبي، وهى تتقدَّم عليه بمقدارٍ يتفاوت بين اثنَى عشر وعشرين شهرًا، وكذلك تفُوق البنت الصبى فى سرعة نمو هيكلها العظمي، وفى ظهور الأسنان، وفى قدرتها على المشي، وسوف نرى أنها تفوقه من حيث القدرة على تعلُّم الكلام، كما أننا نتساءل ما إذا كان سرعة النمو من الوجهة الجسمية يستتبع حتمًا سرعة النمو من الوجهة العقلية.
وممَّا هو جدير بالذِّكر أن تفوُّق البنت فى سرعة نموها يبدأ منذ الحياة الجنينية، أى قبل الولادة؛ فهى عند الولادة أكثر نضجًا من الصبي، وعلى العموم تكون مدة الحمل للأولاد الذكور أطول بقليل من مدة الحمل للأولاد الإناث.
وهناك اختلافٌ واضح بين الجنسَين من حيث التعرض للأمراض، ومن حيث القدرة على مقاومة أسباب الموت. إننا نعلَم أن عدد النساء فى العالم أكثر من الرجال بنسبة ٢٪ تقريبًا، وقد دلَّت الدراسات الإحصائية من جهةٍ أخرى أن عدد الذكور فى المرحلة الجنينية أكبر من عدد الإناث بمقدار ٣٠٪ تقريبًا، غير أن حالات الوفاة فى الأجِنَّة الذكور أكثر بكثير منها فى الإناث، ولكن على الرغم من ذلك تفُوق نسبة المواليد الذكور على الإناث بمقدار ٦٪ تقريبًا، فكيف نُعلِّل زيادة نسبة الإناث فى مجموع السكان البالغين؟ بالرجوع إلى كشوف الإحصاء الخاصة بعدد الوفَيات تبعًا للأعمار المختلفة، نُلاحِظ أن نسبة الوفيات لدى الأطفال الذكور أكبر من نسبتها لدى الأطفال الإناث؛ ومعنى هذا أن البنت الصغيرة أقل تعرضًا للأمراض من الصبي، وأقدر منه على تحمُّل الإصابات ومقاومة الأمراض. وقد أدَّت الدراسة المقارنة إلى أن عوامل البيئة لا تكفى لتفسير هذا التفاوت، وأن السبب المُهيِّئ له يرجع إلى العوامل الوراثية التى تُعيِّن الفوارق بين الجنسَين؛ فالتركيب الكروموزومى للأنثى يحتوى على كروموزومَين «ص»، فى مُقابل كروموزوم «ص» وكرموزوم «س» لدى الذكر، والثانى أضعف من الأول؛ فإذا وُجد فى أحد الكروموزومَين «ص» لدى الأنثى مورثٌ رديء يُهيِّئ ظهور مرض أو عاهة، فقد يبطل تأثيره بفضل مورث جيد يوجد فى الكروموزوم «ص» الآخر، أما فى الذكر فقد لا يوجد فى «س»، وهو الكروموزوم الضعيف، ما يُقاوم أثر بعض المورثات الرديئة التى يحتويها «ص».١
وهذا التفاوت بين الإناث والذكور فى القدرة على مقاومة أسباب المرض والموت، يُشاهَد أيضًا لدى الحيوانات؛ فالذكر بوجهٍ عام معرَّض أكثر من الأنثى للإصابات المرَضية والعاهات الجسمية، وربما يوجد سببٌ آخر لهذا التفاوت غير السبب الوراثي، وهو أن عمليات الهدم الكيميائية الفسيولوجية مُتغلِّبة فى الذكر على عمليات البناء.
ومن جهةٍ أخرى نُلاحظ أن الذكر يفُوق الأنثى فى ثبات وظائفه العضوية، كدرجة حرارة الجسم وعمليتَى الهدم والبناء والتركيب الكيميائى ومستوى السكر فى الدم. والمدى الأكبر لاختلال الثبات النسبى فى العمليات الفسيولوجية لدى المرأة، يُفسِّر لنا كثرة تعرُّض المرأة للإغماء ولاختلال التوازن فى إفرازات الغدد الصمَّاء؛ وبالتالى للتقلبات المزاجية. وسنُفصِّل القول فى هذا الموضوع عند كلامنا عن طبيعة المرأة من الوجهة الجسمية والنفسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة