اقرأ مع عباس العقاد.. "الصديقة بنت الصديق" يروى مآثر السيدة عائشة

الأحد، 19 يوليو 2020 12:00 ص
اقرأ مع عباس العقاد.. "الصديقة بنت الصديق" يروى مآثر السيدة عائشة غلاف الكتاب
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نواصل مع المفكر العربى الكبير عباس محمود العقاد (1889- 1964) قراءة مشروعه الفكرى الذى ترك أثرا كبيرا فى القرن العشرين ولا يزال حتى الآن يواصل أثره، ونتوقف اليوم حول كتبه المهم "الصديقة ابنة الصديق" عن السيدة عائشة رضى الله عنها.
 

يقول الكتاب 

ولدت عائشة لأبى بكر الصديق من زوجته "أم رومان"، واسمها زينب أو دعد، مختلف فيه، كما اختلفوا فى نسبها، واتفقوا على أنها من كنانة.

 
وكانت قبل بناء الصديق بها زوجًا لصاحبه فى الجاهلية عبد الله بن الحارث بن سخبرة، وولدت له ابنه الطفيل، ثم مات، فخلفه عليها أبو بكر ليحفظ بيت صاحبه وحليفه.
 
ومن المتفق عليه أنها كانت امرأة ذكية، أسلمت وهاجرت، ولقيت عنتًا شديدًا فى سبيل دينها وزوجها، ويروى عن النبى — عليه السلام — أنه قال: "من سرَّه أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان".
 
الصديقة
 
وقد اختلفوا فى سنة وفاتها، من قائل إنها توفيت فى حياة النبى عليه السلام، إلى قائل إنها عاشت إلى أيام عثمان رضى الله عنه، والأرجح فى رواية البخارى أنها عاشت إلى أيام عثمان.
ولا يعرف على التحقيق فى أى سنة ولدت السيدة عائشة رضى الله عنها، ولكن أقرب الأقوال إلى الصدق وأحراها بالقبول أنها ولدت فى السنة الحادية عشرة أو الثانية عشرة قبل الهجرة، فتكون قد بلغت الرابعة عشرة من عمرها أو قاربتها يوم بنى بها الرسول عليه السلام.
 
وجملة ما يفهم من وصفها على التحقيق أنها كانت بيضاء، فكان — عليه السلام — يلقبها بالحميراء، وكانت أقرب إلى الطول؛ لأنها كانت تعيب القصر كما مر فى كلامها عن السيدة صفية، وكانت فى صباها نحيلة أو أقرب إلى النحول، حتى كان الذين يحملون هودجها خاليًا يحسبونها فيه. قالت فى حديث لها مشهور: «… وأقبل إلى رهط الذين كانوا يرحلون لى — أى يحملون الرحل على البعير — فحملوا هودجى وهم يحسبون أنى فيه، وكانت النساء إذ ذاك خفافًا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم. إنما يأكلن العلقة من الطعام … فلم يستكثر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه؛ إذ كنت مع ذاك جارية حديثة السن.»
 
ثم مالت بعد سنوات إلى شيء من السمنة كما جاء فى كلامها فى حديث آخر: «… خرجت مع النبى ﷺ فى بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم. فقال ﷺ للناس: تقدموا! فتقدموا. ثم قال: تعالى حتى أسابقك، فسابقته فسكت. حتى إذا حملت اللحم وكنا فى سفرة أخرى، قال ﷺ للناس: تقدموا! فتقدموا. ثم قال: تعالى حتى أسابقك فسابقته فسبقني؛ فجعل ﷺ يضحك ويقول: هذه بتلك.»
 
وعلمنا من بعض أحاديثها أنها وعكت مرة فتمزق شعرها، فمن ثم وصيتها على ما يظهر بالشعر حيث تقول: "إذا كان لأحدكم شعر فليكرمه"
 
وعلمنا من رواة وقعة الجمل أنها كانت جهورية الصوت، تخطب العسكر من هودجها فى ساحة الحرب فيسمع خطابها.
 
وعلمنا من جملة أوصافها وأخبارها أنها كانت حية الطبع موفورة النشاط كدأب العصبيين من النساء والرجال، وكان أبوها — رضى الله عنه — من أصحاب هذا المزاج ولا مراء.
 
والظاهر أنها ورثت عنه كثيرًا من خَلقه وخُلقه على السواء، فقد كان الصديق جميلًا حتى جاء فى بعض الروايات أنه لقب بالعتيق لجماله، وكان نحيلًا دقيق التكوين كما هو مشهور، وكانت فيه حدة طبع مع حدة ذكاء، وكان كريمًا سريعًا إلى نجدة المعوزين والضعفاء، وكان صادق المقال لم يؤخذ عليه كذب فى الجاهلية ولا فى الإسلام، وكان ماضى اللسان قديرًا على إفحام من يجترئ عليه، وتشبهه السيدة عائشة فى هذه الخلائق شبهًا كان يوحى إلى النبى — عليه السلام — كلما سمعها تجيب من يساجلها أن يقول: إنها ابنة أبى بكرٍ! إنها ابنة أبى بكرٍ!
 
وقد راضت حدتها زمنًا كما كان أبوها يروض حدته طوال حياته، ولكنها لم تبلغ من ذلك ما بلغه أبوها؛ لمكان الرجل من القدرة والحاجة إلى سياسة الدنيا، ومكان الفتاة من الضعف ومن الحظوة التى تغنيها عن الصرامة فى مغالبة النفس ومراس الخطوب فى كفاح الحياة.
 
والمعهود فى أخلاق الناس أن الحدة تلازمها سرعة الغضب، كما تلازمها سرعة الصفح والنسيان فى معظم الأحيان.
 
وليس فى أخبار السيدة عائشة ما يناقض هذه المشاهدة التى تعم النساء كما تعم الرجال، فليس مما ينقضها أنها — رضى الله عنها — بقيت على موجدة من مسألة الإفك طوال حياتها فلم تنس قط مقالة أحد من القائلين أو الساعين فيها؛ إذ ليس أهول على نفس الفتاة خاصة، ولا أوجع لضميرها من مطعن يهدم سمعتها، ويعصف بهناءتها، ويفقدها الرجل الذى تحبه، والمكانة التى تبوأتها، وأهول ما يكون ذلك على البريئة العزيزة التى يهولها الأمر على قدر ظلمها فيه، وعلى قدر نكبتها بما تفقده من العزة والسمعة. فلا يقاس على موجدة السيدة عائشة فى مسألة الإفك سائر خلائقها ودوافع ضميرها، فليس فى غير هذه المسألة ما ينم على شيء يتجاوز الحدة العارضة إلى الضغينة الباقية.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة