تقطع مصر اليوم شوطا كبيرا اليوم فى مسيرتها الحضارية والمستقبلية، ولا يخفى على أحد أن اعتزام القيادة المصرية تحرير الشعب الليبى من الاحتلال التركى يعد خطوة كبيرة نحو استعادة مكانة مصر الإقليمية وتصدرها للمنطقة وتحولها إلى رقم عصى على التجاهل فى العالم، وفى الحقيقة فإن تلك الحرب المتوقعة تستحق إشادة العالم كله ودعمه وتكاتفه مع مصر، فمصر لا تحارب من أجل مال أو نفوذ أو ثروات أو فرض هيمنة، ومصر لا تحارب طمعا فى شيء أو خوفا من شيء، بل تحارب من أجل تخليص الإنسانية كلها من الإرهاب الذى يذيقها الأهوال، فقد جمع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى ليبيا الشقيقة العزيزة الجريحة غالبية إرهابى العالم ومرتزقته من أجل الاستقرار فى منطقة غنية بالخيرات من ناحية وعلى درجة كبيرة من الأهمية الاستراتيجية من جهة أخرى، وإن تمكن الإرهابيون المستأجرون من جانب تركيا فلم يقف أمامهم أحد.
مصر اليوم تعود إلى موقعها أخيرا، وقد عرف العالم معنى أن تكون تلك المنطقة بلا مصر الكبيرة المطاعة الرشيدة، عرف العالم إن كان هناك من يعقل بالعالم أن غياب مصر المدنية الحضارية المتطلعة لا يعوضه شيء، وإنها إن غابت أو انشغلت أو ضعف دورها سيحل محله الفئران والثعالب، ولو كنت مكان هذا العالم المغرض لوقفت بجانب مصر حتى تستعيد مكانتها لتصبح هذه المنطقة أكثر تحضرنا وأكثر سماحة وأكثر قابلية للدخول إلى العالم الحديث.
منذ قديم الأزل عرف العالم مصر كرمانة ميزان هذه المنطقة وعرف أيضا أن غيابها عن دورها التاريخى يعنى اختلال توازن الإقليم وترنحه، ما يسمح بتخريب العقول والأفئدة ويجعل تلك المنطقة قنبلة موقوتة رأى العالم أثر انفجاراتها بالإرهاب مرة، وبالهجرة غير الشرعية مرة، وبالعشوائية والانغلاق والتخلف مرة.
يعرف العالم أجمع ما الذى تعنيه مصر، وما الذى تلتزم به مصر، وحينما تقول مصر على لسان رئيسها "عبد الفتاح السيسي" إنها إن دخلت ليبيا فستدخلها بطلب من أبنائها وإنها ستخرج من ليبيا بأمر من أبنائها" فإنها ستلتزم بما تقول دون أدنى فرصة للشك، فمصر الكبيرة لا تخلف وعدها أبدا، ومصر الصادقة لن تسمح للتاريخ بأن يضعها فى خانة الكاذبين، ومصر الشقيقة لكل عربى لن تسمح لنفسها بأن تحتل بلدا عربية أبدا، كما أن علاقات المحبة والتصاهر والقرابة بين الشعبين المصرى والليبى تحرم علينا مجرد التفكير فى إخلاف الوعد، فكما قال قادة القبائل الليبية لا تحتاج إلى دعوة لتدخل أرضها فى الغرب، كما أن أخواننا الليبيون ليسوا فى حاجة إلى دعوة ليدخلوا إلى أرضهم فى الشرق.
لا يحتاج أحد إلى دليل أو إثبات ليعرف أن أردوغان يأوى الإرهابيين ويدعمهم ويجندهم، ليس هذا فحسب، بل يتبنى خطابهم القاتل فى أشد نوباته تطرفا، ويجعل من بلده منبرا لإشاعة الأفكار الإرهابية وتدمير الدول الراغبة فى الاستقرار، وليس أدل على هذا من إيوائه لأعضاء جماعة الإخوان الإرهابية التى دمرت وحرقت وقتلت، وبكل أسف، بل وبكل وضوح، يتفاخر الرئيس التركى بقيامه بهذا الدور المدعوم بأموال قطر، لأنه يأتى وفق أهوائه وأطماعه، ولهذا فإن كسر شوكة هذا الإرهاب الدولى تكاد أن تكون مهمة مقدسة، تحملها مصر الآن.
إننى هنا لا أخاطب حكومات العالم ولا حكامه ولا مسئوليه، لكنى أخاطب شعوب العالم التى رأت ما الذى يمكن أن يفعله الإرهاب، وما الذى ينتظر العالم إذا ما وجد هذا الإرهاب مساحة لقدم، فما بالنا بدولة كبيرة ذات ثروات هائلة تشرف على المتوسط؟