يحدث في بعض الأحيان أن يقوم شخص بشراء شيء ما دونما أن يتبين من مصدر وصول هذا البائع للشيء المشتري، ومن ثم يمكن أن يقع أى شخص منا في جريمة إخفاء شيء متحصل من جريمة سرقة، أو أن يحدث ويتوسط شخص لأخر فى بيع أشياء ويتضح بعد إتمام عملية الشراء أن تكون تلك الأشياء مسروقة، مثلما حدث مع "أسامة.ل"، 33 سنة، محافظة الجيزة، والذى سرد مأساته لـ"اليوم السابع" فى محاولة لإيجاد حلول قانونية.
وتابع: "توسطت لأحد جيرانى فى شراء هاتف محمول عام 2019 من إحدى الصفحات المختصة ببيع الأشياء المستعملة على الفيس بوك، فقد سبق لي وأن اشتريت هاتف محمول من خلال تلك الصفحة على أساس أنى على معرفة بالبائع حيث اشتراه بثمن تقريباَ كما يباع فى المحلات، ولأنه مستعمل خفض ثمنه لـ3000 جنية من ثمنه الأصلي فى المحلات.
التوسط فى عرض أشياء مسروقة للبيع
ويضيف: "مرت الأيام وفى أواخر بداية عام 2020، وصل لجارى استدعاء من الشرطة كون الهاتف الذى اشتراه – مسروق – وذهب إليهم وأخبرهم بكل شئ لكن البائع لا يعرف عنه شئ باعتبار أنه جاء من خلالي، وبحثنا عن هذا الشخص على فيس بوك وعلمنا أن أسمه غير صحيح، وقد قام بغلق حسابه، وخلال الأيام الماضية وصلني إعلان من المحكمة بأننى تمت احالتى للمحاكمة بتهمة التوسط فى عرض أشياء مسروقة للبيع.. فما هى العقوبة فى مثل هذا الاتهام وما هو الحل".
توسط المتهم فى عرض أشياء مسروقة للبيع دون وصول يده لتلك الأشياء لا يعد إخفاء لها
فى هذا الشأن – يقول الخبير القانونى والمحامى بالنقض محمود البدوى – محكمة النقض المصرية حسمت هذا الأمر حينما أرسخت القاعدة القانونية بأن توسط المتهم في عرض أشياء مسروقة للبيع بغير أن تكون يده قد وصلت إلى هذه الأشياء لا يعد إخفاء لها لعدم توافر العنصر المادي للجريمة، أما عن العقوبة فإن نص المادة 44 مكررة من قانون العقوبات يجرى بأن كل من أخفى أشياء مسروقة أو متحصلة من جناية أو جنحة مع علمه بذلك يعاقب بالحبس مع الشغل مدة لا تزيد على سنتين، وإذا كان الجانى يعلم أن الأشياء التى يخفيها متحصلة من جريمة عقوبتها أشد حكم عليه بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة، فإذا كان الحكم قد أدان المتهم بإخفاء أشياء مسروقة متحصلة من جناية قتل بالظروف التى أورد بيانها استنادا إلى أدلة واعتبارات من شأنها أن تؤدى إليها ثم أخذه بالرأفة وطبق لمصلحته المادة 17 من قانون العقوبات ونزل بالعقوبة إلى الأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات، فإنه لا يقبل من هذا المتهم الجدل فى ذلك أمام محكمة النقض.
عقوبة إخفاء أشياء مسروقة تصل للحبس سنتين
ووفقا لـ"البدوى" فى تصريح لـ"اليوم السابع" - تعاقب الفقرة الثانية من المادة 44 مكرراً من قانون العقوبات المخفى لأشياء مختلسة مع علمه بذلك بعقوبة جناية الاختلاس، وإذ كانت كل من جريمتى الاختلاس والإخفاء مستقلة عن الأخرى فإن إحالة هذه المادة على المادة 112 من القانون ذاته فى شأن العقاب لا تنصرف إلا إلى العقوبة الواردة فى هذه المادة الأخيرة دون غيرها، مما نصت عليها المادة 118 من هذا القانون، والتى أراد الشارع إنزالها بالموظف العمومى أو من فى حكمه لاعتبارات متعلقة بطبيعة جناية الاختلاس ذاتها وبصفته فاعلها.
ولما كان نص المادة 44 مكرراً من قانون العقوبات قد جرى بأن "كل من أخفى أشياء مسروقة أو متحصلة من جناية أو جنحة مع عملة بذلك يعاقب بالحبس مع الشغل مدة لا تزيد على سنتين، وإذا كان الجانى يعلم بأن الأشياء التى يخفيها متحصلة من جريمة عقوبتها أشد حكم عليه بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة، فإن الحكم المطعون فيه إذ دان المطعون ضده بجريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة سرقة مع علمه بذلك، وقضى عليه بالغرامة تطبيقاً لنص الفقرة من المادة الأولى 44 مكرراً من قانون العقوبات يكون قد خالف القانون بما يوجب نقض، ولا يشترط فى جريمة إخفاء المسروق أن يكون الفعل المكون لها قد وقع سراً فى غير علانية، أو أن يكون مرتكبه قد وصلت يده إلى المسروق بغير ثمن أو مقابل، وإذن فلا يجدى المتهم أن يكون قد أشترى الأشياء المسروقة جهاراً أمام الناس ما دام هو حين اشتراها كان عالماً بسرقتها – الكلام لـ"البدوى".
رأى محكمة النقض فى الأزمة
سبق لمحكمة النقض أن تصدت لمثل هذا النزاع فى الطعن المقيد برقم 4007 لسنة 82 القضائية حيث قالت فى حيثيات الحكم أنه - لما كان ذلك - ولئن كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة تقدير أدلة الدعوى، فلها أن تأخذ بها أو تطرحها دون بيان العلة، إلا أنها قد أفصحت عن الأسباب التي من أجلها أخذت بها أو اطرحتها، فإنه يلزم أن يكون ما أوردته واستدلت به مؤديًا لما رتب عليه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل، ويكون لمحكمة النقض مراقبتها في ذلك، وكان الواجب لسلامة الحكم بالإدانة في جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة سرقة المنصوص عليها في المادة 44 مكررًا من قانون العقوبات أن يبين فوق اتصال المتهم بالمال المسروق أنه كان يعلم علم اليقين أن المال لابد متحصل من جريمة سرقة أو أن تكون الوقائع، كما أثبتها الحكم تفيد بذاتها توافر هذا العلم وأن يستخلصها استخلاصًا سائغًا كافيًا لحمل قضائه، كما أن القانون قد استلزم لتوقيع العقوبة المغلظة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة سالفة الذكر أن يعلم الجاني بالظروف المشددة للجريمة التي كانت مصدرًا للمال الذي يخفيه.
شرط توافر العنصر المادى للجريمة
وبحسب "المحكمة" - أما إذ انتفى علمه بتلك الظروف المشددة للجريمة، فيجب توقيع العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة المذكورة، وكان من المقرر كذلك أن جريمة إخفاء الأشياء المسروقة لا تتحقق إلا بتوافر عنصرين، إخفاء شيء متحصل من طريق السرقة وعلم الجاني بمصدر هذا الشيء، ولا يتحقق العنصر الأول إلا بتسلم الجاني الشيء أو حجزه أو حيازته فعلاً، فتوسط المتهم في عرض أشياء مسروقة للبيع بغير أن تكون يده قد وصلت إلى هذه الأشياء لا يعد إخفاء لها لعدم توافر العنصر المادي للجريمة، لما كان ذلك، وكان ما ساقه الحكم فيما تقدم تدليلاً على توافر علم الطاعن بأن السيارة متحصلة من جناية قتل لا يؤدي في جملته أو في تفصيله إلى ثبوت هذا العلم الذي يجب أن يكون يقينيًا في حق الطاعن، ذلك بأنه لم يرد بأقوال أيًا من المتهمين - سواء الثابتة بالتحقيقات أو تلك التي حصلها الحكم - أن الطاعن كان يعلم بأن السيارة متحصلة من جناية قتل، بل كان علمه منصرفًا فقط إلى أنها متحصلة من سرقة.
وهو ما قرره الطاعن نفسه مضيفًا أنه قد علم بأنها متحصلة من جريمة قتل في وقت لاحق على بيعها، والعلم في هذا الوقت لا يتحقق به العلم المعتبر الذي لا يتوافر إلا إذا كان مصاحبًا أو سابقًا على فعل الإخفاء، فضلاً عن ذلك، فإن الحكم لم يدلل على أن الطاعن قد اتصلت يده بالسيارة المسروقة وأن سلطانه كان مبسوطًا عليها، وحاصل ما أورده في هذا الصدد أنه توسط في بيعها، وأنه الذي أحضر من اشتراها، وهو ما لا يكفي للقول بتوافر الركن المادي لجريمة إخفاء الأشياء المسروقة, لما كان ذلك، فإن الحكم يكون مشوبًا بالقصور في التدليل على العلم المعتبر عن مصدر المال الذي يعاقب المتهم على إخفائه مما يعيبه بما يوجب نقضه والإعادة بالنسبة لهذا الطاعن وحده لاقتصار وجه الطعن عليه وحده وعدم اتصاله بمن سواه من المتهمين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة