محمد غنيم يكتب: التمرد الحسي في النص السردي للدكتورة سحر عبد المجيد

الجمعة، 03 يوليو 2020 12:10 ص
محمد غنيم يكتب: التمرد الحسي في النص السردي للدكتورة سحر عبد المجيد محمد غنيم
بقلم محمد غنيم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
محمد-غنيم
 
غاليا ماتولد الكتابة التمردية في النص من رحم الحركة الرومانسية، وكأنها إشهار يلوح بالاعتراض وإثبات الذات ووجودية الأنا في وجه المدارس المتعارف عليها بتقليد النموذج الشعري القديم، فالكتابة التمردية في نص الكاتبة الدكتورة سحر عبد المجيد بمثابة القطرة التي أفاضت كأس الرومانسية وحركت الذات لتكون منبع الإبداع بداية من مطلع النص.
 
تقول الكاتبة: "مؤلم أن توقظك كلمات...
وغريب أن أفكر في تعريف للحب..
لاحظت ياصديقي أنني ما عدت أتعلق بالحديث معك..أو أتعلق بالألوان والكائنات الخرافية في حكاياتك...أو بالمساحة الخيالية بين ذراعك ورقبتك"
 
 
 هكذا قالت في مقدمة النص.. نلاحظ في المقطع  التحدث بلسان الأنا بين مضامين الكتابة ممزوجة بالإيقاع فنجد معاناة الذات وصراعها بأن تنطق بلسان التمرد بعد أن بحثت عن تعريف للحب بكلمات صريحة، رصاصات قاتلة حين قالت "ماعدت أتعلق بالحديث معك" نلاحظ الكاتبة قدمت كلمة "توقظك" تمهيدا للصاعقة التي انتابته بعد أن جردته من لقب المحب ووصفته بالصديق ووقتها  استشعر الصدمة بكلمات تبحر في عالمه الخرافي فيغوص  وهو ينظر للمساحة الخاوية بين ذراعه ورقبته.
 
 
تقول سحر : "أود أن أخبرك...أنك تختفي عن عقلي وأنسحب أنا عن عالمك بهدوء ..ثم تأتي كعاصفة ترابية صفراء أتمني لو تنتهي سريعا" .. 
 
هنا تصارحه الكاتبة بانسحابه من عقلها وانسحابها من عالمه، وإن كان العقل محور احتواء الموقف لدا الكاتبة، وصف العاصفة باللون الأصفر توضيحا لما تتضمنه من ضباب وحجب الرؤية ولكنه سرعان مايزول، وقولها أتمنى أن تنتهي سريعا دليل مادي قوي على تأثير  العاصفة على من وصفته بالصديق وان كان العقل سيد الموقف. 
 
 
في مقطع آخر تقول: "لا أستطيع تحمل نفسي وأنا أجعل أطفالي يفهمون قيمة الجغرافيا..
أحزن حينما لا يلعبون بالماء كباقي الأطفال..
ينظرون طوال الوقت لنظافة المكان...ونظافة أيديهم..
والمساحة بينهم وبين الآخرين..
أطفالي ياصديقي لا يغفلون أبدا...
يسألون دوما...يدركون...
بالأمس بكيت بشدة حينما أخبرني صغيري أنني لا أحبه كثيرا..
فلا أقدم له طبق البطاطا بانتظام..
لم أعد أطعمه بيدي كثيرا..ولا أحمله علي ظهرى كثيرا..ولا أقبله في وجهه كثيرا...كم أنا أم سيئة...
صديقي أصبحت هناك مساحة بيننا تسمح باتخاذ القرارات وحدي..دونك..."
 
هنا نجد مناجاة الكاتبة لذاتها ومحاولتها فهم مايحدث لها وكأنها استنهاض لمهمة تجاوزت معاناتها حين أقرت أنها لاتستطيع تحمل نفسها موضحة حزنها عندما لاتشاهد أطفالها يلعبون بالماء كباقي الأطفال، تستشعر بالندم في غفلتها عنهم موضحة مدى إدراك الأطفال للحالة التي تمر بها الأم  وإن  \دل فإنما يدل على تأثير العاصفة التي وصفتها الكاتبة في المقطع السابق بالصفراء، أفكار جزئية تنتاب الكاتبة وتجسد مشاعرها وتصف حالتها النفسية ونظرتها السلبية للموقف الرومانسى التي صفعته بالتمرد وكأنها تثأر لصغيرها عندما استشعر الغيرة فبكت الأم بشدة حين أتهما أنها لا تحبه كثيرا.
 
تقول الكاتبة : أنا أفكر في الموت ...-
كما فعلت أنت كثيرا..ولم أخبرك في أي مرة.
أن فعلك جرحني بشدة..
بالأمس زرت صديقة..لفت انتباهي علامات علي رقبتها..
علامات كثيرة...
علامات جميلة ملونة ...أحمر وأزرق..
أنا متأكدة أنك تجهل عني ألواني المفضلة..
صديقي لم أعد استخدم إلا اللون الأبيض..
ما بين الأبيض والألوان فوق هضبة أستطيع تسلقها في حكاياتك قبل النوم...مسافة جافة لروح اختارت مكان لظل متحقق لكنه غير كاف....
وما بين الألوان واللون الأبيض...
يلعبون وينامون في أمان..مطمئنين بي..
أظل قربهم.. هناك نهر صغير يعنيني علي العيش 
ولقلة الثمار الملونة.. -فالبكاد تكفيهم-...
ضعفت قدماي.. ولا أستطيع القفز فوق نجمات متباعدة.. للوصول لرائحة أعرفها..
وأعلم ياصديقي أنك لم تعد تتحمل العطش في مساحاتي الشاسعة كصحراء وطني"
 
هكذا قالت الكاتبة وهي تلتفت للذات الإنسانية كاطلاع على الظروف التي تمر بها،  أنها تفكر بالموت كما فعل هو ولكنها لم تخبره بعد أن فعله الذي جرحها بشدة، ثم تصف لنا الكاتبة حبها للجمال وتعلقها بالألوان البديعة التي تعود على نفسيتها بالراحة في ظل جهله بألوانها المفضله غارقا في عالمه الخرافي، توقظه الكاتبة بكلمات في الوقت نفسه،  تلعن الرتابة التي جعلت عينها لاتشاهد سوى الأبيض،  بينما يمكث هو في مسافة جافة  لروح تسكن  الظل، فنجد الرتابة سيدة الموقف،  الأقدام ضعفت لاتستطيع القفز  فوق النجمات المتباعدة،.
 
نجد الكاتبة تستند على عنصر التكرار مابين كلمة "صديقي، والأطفال، والنظافة"
 
وقد قيل في النقد : الشيء إذا تكرر تقرر أي ترسخ وثبت في ذهن المتلقي  فتكرار كلمة الأطفال دليل على البراءة التى خطفها صديقها من إهمالها لصغيرها فهي لم تعد تقدم له طبق البطاطا الشهي الذي اعتادت أن تقدمه  إليه بانتظام، اما تكرار كلمة "نظافة" هنا تؤكد لنا الكاتبة مهام الأم من بين نظافة أولادها ومكان تواجدهم ونظافة أيديهم،  اما تكرار كلمة "صديقي" مؤكدة عدم تحمله العطش في مساحتها الشاسعة، هنا وجبت الدلالة  في النص مؤكده كونه صديق حتى وان تخطى الصداقة فهو لم ينعم في دنيا المحبين لكونه غارق في عالمه الخرافي ولا يتذكر الألوان التي تفضلها. 
التكرار في كلمة صديقي أضفى جرسا موسيقيا على جو النص وقام بترسيخ صفته للمتلقي.
 
كما نجد في النص ترادفا يتجلى في ذهن القاريء فنجد الكاتبة تجعلنا نقف لنتأمل الحديث والحكايات، والمساحات الخيالية والكائنات الخرافية، فيكتمل النص بجمالياته وتظهر شمس الذات الرومانسية متخذة ظاهرة "التدوير" مما جعل نفسية الكاتبة شاهقة شامخة تنظر إليه بعد أن وصفته بالصديق فاينشطر  إلى نصفين كما تقسم الأنف الحواجب....
 
أثر النص في القاريء  فتفاعل مع  الكاتبة وشاركها همومها وتعاطف مع صديقها.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة