نواصل مع المفكر العربى الكبير عباس محمود العقاد (1889 – 1964) قراءة مشروعه الفكرى المهم، الذى يعد رافدا مهمة لجيل النصف الأول من القرن العشرين، ونتوقف اليوم مع كتاب "الإسلام فى القرن العشرين".
يقول الكتاب تحت فى حديثه عن العقة بين الإسلام والغرب:
منذ القرن الأول للهجرة لم يعرف العالم حقبة من حقب التاريخ خلا فيها الغرب ممن يهتمون بالإسلام على نحو من الأنحاء، ولكن الذى يعنينا فى هذه العجالة هو اهتمام الغرب بالإسلام فى عصر الاستعمار، وقد كان على الأغلب اهتمامًا يروده الباحثون من وجهة النظر العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية أو الدينية، فلم يهتم الغرب بالإسلام قط من وجهة نظر عامة أو من وجهة نظر علمية فى القرن الثامن عشر أو القرن التاسع عشر، وإنما التفت الغربيون إلى دراسة الإسلام من هذه الوجهة، وجهة النظر العلمية، منذ أوائل القرن العشرين، وهى مع هذا لا تخلو من غرض، وإن تخفى الغرض فيها أحيانًا وراء نقاب.
فمن أواخر القرن التاسع عشر إلى اليوم تقوم الجامعات والمعاهد فى هولندا وفرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة لدراسة أحوال المسلمين، وأسرار العقيدة الإسلامية على أضواء العلم الحديث، وينشئ بعض الجامعات كراسى لهذه الدراسة أو قاعات لإلقاء المحاضرات، وانتداب المختصين لإلقاء سلاسل من هذه المحاضرات سواء كانوا من الأساتذة فيها أو ممن يعلِّمون فى الجامعات الأخرى.
وسنجمل فى هذا الفصل أقوالً متفرقة من مباحث المختصين الذين صوروا الإسلام للغرب كما فهموه، فإننا إذا عرفنا كيف يفهموننا عرفنا كيف يكون موقفهم منا، وكيف يكون موقفنا منهم، ولو كانت المحاولة "علمية" تدور عليها دراسات علماء.
افتتحت جامعة شيكاغو قاعة محاضراتها الإسلامية (1906) فحصر المحاضر الأول دنكان بلاك مكدونالد أهم الموضوعات التى يمكن أن يدور عليها البحث فى ثلاثة، وهى الشخصية المحمدية، ومدارس التصوف، وأطوار الأمم الإسلامية فى حركة التجديد.
وصفوة ما انتهى إليه فى هذه الموضوعات الثلاثة أن الشخصية المحمدية لا تزال بعد أربعة عشر قرنًا مصدر المدد المتصل فى تقوية المسلم، وأن الصوفية قد خلقت منفسًا للعقيدة الفردية التى يدين بها المسلم المستقل بتفكيره واعتقاده عن سلطان الشيوخ وسلطان الجماهير، وأن أطوار المسلمين تختلف اختلافًا لا بد منه بين أناس ينتمون إلى كل جنس وكل أصل من الأصول البشرية، ولكن الإسلام قد أوجد بينهم أخوة عامة قل أن يوجد لها نظير فى أتباع الكنيسة الواحدة، وقد طبعت هذه المحاضرات بعنوان "الموقف الدينى والحياة الدينية فى الإسلام".
ومن الدارسين لموقف الإسلام فى القرن العشرين المؤرخ الكبير أرنولد توينبى فى محاضراته عن "العالم والغرب" التى ألقيت سنة 1952، وفى محاضرات أخرى عن حركة التجديد التى سماها بالهيرودية وحركة التجديد المقابلة التى سماها بالآسية.
وعند توينبى أن المسلم يواجه الغرب اليوم كما واجه الإسرائيلى حضارة روما واليونان قبل ألفى سنة، ولا يعنى بذلك أنه جامد على أساليب ذلك العصر، بل يعنى به أن من المسلمين من يقاوم الحضارة الأوروبية بالاقتباس منها كما فعل هيرود فى عصر السيد المسيح، ومنهم من يقاومها بالمحافظة الشديدة والإصرار على القديم بنصه وحرفه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة