تثير قضايا التحرش الجنسى جدلا واضحا فى العالم ولا سيما التى تحدث داخل الفاتيكان، وبين الإدانة والطرد والبراءة، اشتعلت الأزمة من جديد بعد أن صدر مجمع عقيدة الإيمان فى الفاتيكان نتائج ضد كهنة مجمع القلوب المقدسة والمتهمين بالاعتداء الجنسى على أطفال، ورفض الفاتيكان شكوى اعتداء جنسى ضد جيراردو جوانون ، وذلك بسبب عدم توافر الأدلة الكافية، وفقا لجميعة عقيدة الإيمان فى الفاتيكان.
وأشارت قناة "سى أن إن" على نسختها الإسبانية إلى أن مجمع الفاتيكان لمذهب الإيمان (CDF) رفض أمس شكوى الاعتداء الجنسى على قاصر ، ضد كاهن القلوب المقدسة ، جيراردو جوانون، مؤكدة أنه لم يتم التحقق من ارتكاب تلك الجريمة.
وقال مجمع الفاتيكان فى بيان إن "لم يتم توافر الادلة الكافية ضد جيراردوا الذى تم اتهامه فى أغسطس 2019 بالاعتداء الجنسى على أطفال يبلغ اعمارهم بين 8 و12 عاما ، وذلك عندما التحق بمدرسة Sagrados Corazones.
ولكن أيضا قام الفاتيكان بالحكم عليه بالحد من الممارسات الخدمية الكهنوتية، وذلك لأن كارولينا مارون جوانون فى أغسطس 2019 ، التى زعمت أن الكاهن أساء إليها بين سن الثامنة والثانية عشرة عندما التحقت بالمدرسة فى بروفيدنسيا.
وطرد الفاتيكان الشهر الماضى، قسا متهما بالاعتداء الجنسى على قاصر فى أوشوايا، وهو دانيال عمر أسيفيدو ، الذى تم إدانته فى عام 2016 من قبل شاب اتهمه بإساءة معاملته عندما كان عمره بين 15 و 17 عامًا، ثم بدأ أسقف سانتا كروز ميغيل أنجيل دى أنيبالى ، الذى توفى قبل بضعة أشهر ، التحقيقات الأولى التى حددت ذنب الكاهن وأخرجته من منصبه، بعد نداء الكاهن السابق ، تم التصديق على الطرد من قبل الحبر الأعظم وهو نهائى والذى تم فى 31 مايو الماضى.
وأكدت صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية أن بابا الفاتيكان أصدر مرسوما فى 31 مايو باستقالة دانيال، وفقدان جميع حقوقه ، وفقا لأسقف سانتا كروز وتتيرا ديل فويجو .
كان تقدم ضد أسيفيدو شكاوى فى ريو جاليجوس لإساءة معاملة صبى يبلغ من العمر 11 عامًا فى كنيسة نويسترا سينورا دى فاتيما.
كما يعانى الفاتيكان من فضائح جنسية فى بولندا، حيث ناشدت مجموعة من الكاثوليك البولنديين، بابا الفاتيكان فرنسيس من أجل "إصلاح" الكنيسة والتحقيق فى حالات تستر الأساقفة على القساوسة الذين يعتدون جنسيا على أطفال.
ونشرت المجموعة التى تحمل اسم "إنوف هارم" أو (كفى أذى) صفحة كاملة فى صحيفة "لا ريببليكا" الإيطالية اليومية فى أواخر يونيو الماضى، تطالب البابا بـ"النظر بعطف على الكنيسة فى بولندا التى وقعت بها حالات اعتداء جنسى على الأطفال"، وقالت "هيئة الأساقفة والقاصد الرسولى يتظاهران بعدم رؤية ذلك".
وظهرت فكرة مخاطبة البابا من خلال وسائل الإعلام الإيطالية بعدما فشلت الاحتجاجات أمام المبانى الإدارية للكنيسة فى بولندا والاجتماع مع القاصد البابوي- أى ما يعادل سفير الفاتيكان – فى تحقيق نتائج، حسبما قالت جوستينا زورن، واحدة من المبادرين بتوجيه رسالة إلى فرانسيس.
وبعد هذه المطالب ، قام بابا الفاتيكان بتهميش دور أسقف فى غرب بولندا تم اتهامه بالتقاعس فيما يتعلق باتهامات اعتداء جنسى على الأطفال موجهة ضد الكهنة فى أبرشيته، وقال وقال بيان صادر عن السفير البابوى فى بولندا أن أبرشية كاليش سوف يديرها الآن أسقف لودز، جرزيجورز ريس، بدلا من الأسقف إدوارد جانياك، وذلك بعد تحقيق أجراه الفاتيكان فى أوائل يونيو.
وتمت الإشارة بشكل بارز لجانياك فى فيلم وثائقى حديث عن الاعتداء الجنسى على الأطفال فى الكنيسة الكاثوليكية فى بولندا بعنوان "لعب الغميضة"، ويسلط الفيلم الضوء على ما تم وصفه بأنه فشل من الأسقف فى التصرف فى مواجهة اتهامات بالاعتداء الجنسى تم توجيهها ضد كهنة تابعين له، وفى الشهر الماضي، رفض قساوسة من مجلس أبرشية كاليش التوقيع على خطاب دعم لأسقفهم قدمه لهم نائب جانياك. ورفض جانياك دعوات لاستقالته.
ووفقا للكنيسة البولندية، تم تقديم شكاوى حول الاعتداء الجنسى على قصَّر ضد 382 كاهنا بين عام 1990 ومنتصف عام 2018، وهو ما شمل نحو 625 ضحية.
مساعى بابا الفاتيكان لمواجهة الفضائح الجنسية
تسببت هذه الفضائح الجنسية التى تطول الفاتيكان صداع فى رأس البابا فرانسيس، الذى أعلن فى نهاية العام الماضى ، ما يسمى بـ"السرية البابوية" عن قضايا الاعتداءات الجنسية والمحاكمات التى تطال أفراد من الكنيسة، ويأتى ذلك بعد قضايا ضد عدد كبير من الأساقفة والمطارنة فى الفاتيكان، جعلت الباب يعترف بالاعتداءات الجنسية التى طالت الراهبات من قبل الكهنة.
وأوضح العضو فى المجلس البابوى للنصوص التشريعية، خوان إينياسيو أرييتا، فى بيان نشره الفاتيكان أن التوجيهات التى وقعها البابا هدفها "رفع السرية عن البلاغات والمحاكمات والقرارات والوثائق المتعلقة بالاعتداءات الجنسية على القاصرين والأشخاص الضعفاء".
ويشمل قرار البابا تعديلا يتيح "إمكانية أن يكون المحامون فى القضايا المتعلقة بهذه الجرائم مؤمنين علمانيين مجازين فى القانون الكنسى وليس كهنة فقط حسب ما كان فى النص السابق"، كما قال الفاتيكان.
وأضاف فرانسيس أن مسألة اغتصاب الراهبات، كانت دومًا معضلة مزمنة، لكنها حصلت ضمن مجموعات محدودة، وفى الغالب كانت حديثة.
وخلال الأعوام الماضية، هزت الكنيسة قضايا واسعة مرتبطة باعتداءات جنسية بحق أطفال وراهبات ارتكبت لعقود من قبل كهنة ورجال دين بالكنيسة، وسط تعتيم من قبل رؤسائهم فى عدة دول على رأسهم الولايات المتحدة وتشيلى وألمانياـ، وفقا لوكالة "أوربا بريس".
ففى فرنسا قضت محكمة هناك بالسجن 6 أشهر للكاردينال فيليب بارباران بسبب تستره على تجاوزات جنسية لكاهن داخل إحدة الإبراشيات فى ليون الفرنسية، طالت بعض الأطفال، فى مارس الماضي.
واستقال الكاردينال إثر الفضيحة الأخلاقية فى نفس الشهر الذى قضت فيه المحكمة بمعاقبته، ويشار إلى أنه، قد أدين أسقفان فى فرنسا فى قضايا مماثلة فى عامى 2001 و2018.
وفى فبراير الماضي، قضت محكمة أسترالية بالسجن 6 سنوات، بحق الكاردينال جورج بيل 78 عامًا، بعد إدانته بالاعتداءات الجنسية على الأطفال فى تسعينيات القرن الماضي.
وبحسب التقرير الذى نشرته "يورو نيوز" فإن آلاف الأطفال عانوا من الانتهاكات الجنسية خاصة فى دور الأياتم والمدارس الصناعية بسبب الأوامر الدينية، فضلاً عن أن أغلب الأطفال ولدوا خارج إطار الزواج أو جاؤوا من عائلات فقيرة لم تتحمل نفقات إطعامهم.
إلا أن التحديات لا تزال قائمة تحديداً فى آلية عمل الفاتيكان، حيث الصراعات قائمة وترمز لخلل فى النظام القانونى الداخلى للكنيسة، والذى يعتمد على الأساقفة والرؤساء الدينيين، الذين يفتقر بعضهم للخبرة قانونية، بالإضافة إلى الافتقار لوجود محامين قانونيين كنسيين مؤهلين بين الطاقم، للتحقيق فى مزاعم الاعتداء الجنسى التى يواجه حتى معظم المدعين الجنائيين المخضرمين صعوبة فى التعامل معها.