"كل محاولات التحرر من النير العثمانى كانت تقابل بالعنف والقتل وإذكاء الفتن الطائفية، إن إرهاب الدولة الذى مارسه العثمانيون على اللبنانيين خصوصا خلال الحرب العالمية الأولى، أودى بمئات الآلاف من الضحايا ما بين المجاعة والتجنيد والسخرة" بهذه الكلمات اتهم الرئيس اللبنانى ميشيل عون فى تصريحات سابقة الدولة العثمانية فى نشر الطائفية فى بلاده.
ورغم أن وزارة خارجية نظام الديكتاتور التركى رجب طيب أردوغان، وصفت تلك تصريحات رئيس لبنان بالهجوم السافرة وغير المسئولية، لكن يبدو أن الأحداث التاريخية تتفق تماما مع ما قاله "عون".
وأثار الإخوان ومؤيدو الديكتاتور أردوغان، الأكاذيب خلال الأيام القليلة الماضية حول الإنجازات الوهمية التى نسبوها للدولة العثمانية فى لبنان، ومنها نسب إنشاء صوامع مرفأ بيروت الذى تعرض للانفجار خلال الأيام الماضية إلى العثمانيين رغم إنه تم بناءه عام 1970، أى بعد سقوط دولة سلاطين آل عثمان، وذلك بجهود كويتية.
حكم العثمانيون جبل لبنان منذ غزو سليم الأول للشام فى العام 1516، وقد وجدوه مشرزما بين عدة طوائف هى الموارنة الكاثوليك والدروز وأخيرا المسلمين بين سنة وشيعة، فأبقوا على ذلك كله دون تعديل مكتفين بالواردات الضريبية الضخمة التى كان الجبل يعيدها عليى الخزانة المركزية فى إسطنبول. ولكن منتصف القرن الـ 19 شهد اشتعال الفتنة الطائفية بين أهل جبل لبنان بسبب السياسات العثمانية الجديدة خلال ذلك العصر.
ففى 3 سبتمبر 1840، عين بشير الثالث أميرا على جبل لبنان من قبل السلطان العثمانى عبد المجيد الأول، وزادت الثورات التى أشعلها الفلاحون الموارنة ضد السادة الإقطاعيين من الدروز، فقام السلطان العثماني، بخلع بشير الثالث يوم 13 يناير 1842، وعين عمر باشا كحاكم لجبل لبنان بدلا منه. ولكن هذا التعيين، خلق مشاكل أكثر مما حل.
بدأت الحرب بين الطائفتين بحسب رواية تقليدية بعد نزاع بين طفلين درزى ومارونى من دير القمر، فتدخلت عائلتيهما ومن ثم طائفتيهما. وأشعلت هذه الخلافات سيلا من أعمال العنف اجتاحت لبنان. دمرت خلالها 60 قرية بالقرب من بيروت فى ثلاثة أيام، من 29 إلى مايو 1860. قتل خلالها 33 مسيحى و-48 درزي.
ووفقا للكاتب الأرمينى فيكين شيتريان، فقد ورث لبنان نظام المِلَل العثمانى وحوّله إلى تلك الطائفية المعاصرة التى نعانى منها يومياً.
ولما عاد العثمانيون إلى بلاد الشام سنة 1840م، تابعوا إقرار المساواة بين الطوائف وفقا لما جاء فى خط كلخانة 1839م، فكان لذلك أسوأ الأثر فى الولايات العربية ولا سيما فى بلاد الشام، ذلك أن الدولة العثمانية بالرغم من إعلانها مبدأ المساواة بين كافة رعايا الدولة، لم تستطع تطبيق هذا المبدأ تطبيقا كليا، فظلت الوظائف العامة لا سيما العسكرية، والإدارية والقضائية مقتصرة على المسلمين وحدهم، فكان لهذا التمييز صدى قوى فى الأوساط الطائفية، إذ أوجد الضغينة فى قلوب المسلمين ونفخ فى صدور النصارى روح الاعتزاز والتطاول، إذ أخذ المسيحيون ينظرون إلى التنظيمات على أنها تعطيهم نفس الحقوق التى للمسلمين، بينما أخذ المسلمون ينظرون إلى المسيحيين نظرة الشك ويرون فى التنظيمات أنها السبب فى تطلع المسيحيين إلى وضع اجتماعى ممتاز عما كانوا عيه من قبل، فكانت النتيجة أن أخل ذلك بالتوازن بين العناصر الطائفية (المسيحيين والمسلمين).