قبل أيام من وفاتها اتصلت بها كما اعتدت أن أحدثها بين حين وآخر لأطمئن على صحتها وأحصل على جرعة من البهجة والجمال حين يأتى صوتها محتفظا برونقه ودلاله، مستدعيا كل مخزون الجمال والفرح والضحك والذكريات الجميلة، ردت كالعادة بنفسها على التليفون الأرضى، كان صوتها يحمل بقايا بهجة زمن جميل، ويحتفظ بحيوية استمدها من روحها الجميلة المتصالحة حتى مع تغيرات الزمن، ورغم عزلتها ومعاناتها من بعض المشكلات الصحية التى كانت تحاول دائما تجاوز الحديث عنها جاء صوتها مرحاً مرحباً ممتناً، تدعو من يتصل بها أن يكرر الاتصال وأن يطمئن عليها دائما، دون أن تدرى أنها بمجرد أن ترد تتفضل على من يستمع إلى صوتها وتفيض عليه بفيض جمال وفرح وبهجة وتمنحه فرصة وهدنة ليستدعى كل الذكريات الجميلة وتمنحه طاقة متجددة لمواجهة الحياة.
جرعة البهجة الأخيرة.. تحدثت البسكوتة شويكار فى هذه المكالمة الأخيرة عن حالتها الصحية وعن تأثير الكسر الذى تعرضت له منذ سنوات وتم علاجه بشكل خاطئ فترك أثره عليها، استدعت ذكريات حب عمرها وبداية علاقتها وقصة حبها لفؤاد المهندس وتحدثت عنه بحب جارف وكأنها استوحشت طول الفرق.
ورغم العزلة التى فرضتها على نفسها، خاصة بعد انتشار فيروس كورونا كانت تتمتع بنفس الروح الجميلة المتصالحة الراضية المرحة، التى زاد عليها الحنين للعودة للجمهور من خلال عمل إذاعى يتناسب مع حالتها الصحية ويمنح الملايين متعة الاستمتاع بهذا الصوت الذى طالما أمتعنا ونشر البهجة فى بيوتنا على مدار سنوات طويلة، ولكن لم ينتبه أحد إلى هذا الكنز المبهج حتى رحلت شويكار ورحل معها جزء كبير من روحنا وذكرياتنا وبهجتنا وفننا الجميل.
وبقدر ما كان صوتها يحمل مزيجاً من الدلال والأنوثة والبهجة والسكينة، كان يخفى وراءه شيئا من الحزن والشجن والحنين للماضى، ورغم أنها اعتادت طوال تاريخها الفنى على عدم الحديث عن تفاصيل حياتها الشخصية، إلا أنها فى هذه المكالمة الأخيرة كان لديها حنين كبير للحديث عن حب عمرها فؤاد المهندس وخاصة بدايات علاقتها به.
وبمجرد أن ذكرنا اسمه وبعض الأعمال الخالدة التى جمعتهما بدأت تتحدث عنه قائلة:» كان محترم وتقى جدا وابن ناس».
انتهزنا الفرصة وفيض الحنين والحب والرغبة فى الحديث عن حب العمر لنسأل البسكوتة عن تفاصيل أول لقاء فانطلقت لتحكى قائلة: «رشحنى الأستاذ سيد بدير لبطولة مسرحية السكرتير الفنى وكان المفروض هو اللى هيعمل دور البطل، وكنت وقتها اشتغلت سينما ولسه ماشتغلتش مسرح، وقلت أجرب، لكن بدير جت له مهمة سفر لروسيا فاعتذر عن المسرحية».
صدفة خير من ألف ميعاد.. تابعت الجميلة شويكار وهى تتحدث عن الصدفة التى جمعتها بحب عمرها فؤاد المهندس: «كنت باشتغل وأعمل بروفات وماكنتش أعرف فؤاد ولا شفته، لكن كنت عارفة اسمه من الراديو من خلال برنامج ساعة لقلبك، وكنت اتعرفت على الأستاذ مدبولى، وقالوا هييجى الأستاذ فؤاد بدل الأستاذ بدير»
كانت الفنانة الكبيرة شويكار تحرص أن تسبق اسم أى من زملائها مهما كانت صداقته وقوة علاقتها به باسم الأستاذ، وكثيرا ما كانت تسبق اسم حب عمرها فؤاد المهندس بهذا اللقب حين تتحدث عنه.
وتابعت: «ابتديت أخاف لأن معنديش فكرة عن المسرح وقلت أجرب، وكنت باشوف أستاذ سيد بدير فى دور كبير الرحيمية وعارفة إنه متمكن فى الكوميديا، لكن فؤاد معرفوش خالص، فزاد خوفى من المسرح وقلت الناس بتشوفنى فى السينما واللى جايبنى سيد بدير واعتذر، ففكرت اعتذر زيه عن المسرحية».
ضحكت وهى تتذكر أول لقاء جمعها بالفنان فؤاد المهندس وكأنها تطوى السنين وتنظر إلى هذا المشهد من حياتها قائلة: «أول مرة شفت الأستاذ فؤاد لما جه بعد ترشيحه لبطولة المسرحية، وفى أول لقاء دخل من غير ما يسلم علينا بالإيد واكتفى بأنه قال السلام عليكم، وكان جد جدا، فقت ياماما.. إزاى ده هيضحك الناس، ده الأستاذ سيد بدير شربات وكان عامل كبير الرحيمية وهيليق على الدور الكوميدى وكان هيعمل حاجات تضحك».
واستكملت شويكار الحديث عن ذكرى أول عمل جمعها بفؤاد المهندس: «قلت يمكن متضايق لأنه لم يتم اختياره من الأول، وابتدينا البروفات، وكان هادى، وابتدى يبقى لطيف».
«لما اشتغلنا بدأ يهتم بيا، وسافرنا بالمسرحية الأقصر وأسوان والمنيا وسوهاج، حسيت باهتمامه، وإنه بياخد باله منى ويسألنى أكلتى، اتعشيتى، نمتى كويس، وكان حنين ومسؤول، وبعد ماخلصنا المسرحية كل واحد راح لحاله».
وتابعت : «بعد نجاح السكرتير الفنى ولما بدأ الأستاذ فؤاد التجهيز لمسرحية أنا وهو وهى، قال شويكار تعمل الدور، وهو اللى اختارنى، وخلال العمل بالمسرحية حسيت بحبه واهتمامه».
وبفرحة وصوت فتاة تتذكر أول مرة صارحها حبيبها بحبه تابعت شويكار وهى تحكى كيف صارحها فؤاد المهندس بحبه على المسرح : «كنا بنمثل مشهد واحنا نايمين على الأرض وبنبص لبعض على المسرح والموسيقى شغالة، فقال لى تتجوزينى ياشوشو، وضحكت وقلت له أيوة يافوفو وخرجنا عن النص». وتابعت: «وافقت على الجواز بدون تردد لأنه راجل محترم جدا وبتاع ربنا ومصلى، وأخلاقه عالية جدا، وابن ناس ومثقف وكل حاجة فيه كويسة واتجوزنا».
الهانم الدلوعة أرملة فى سن 18.. كانت الميول الفنية لشويكار بدأت وهى فى الرابعة من عمرها، حيث تربت فى بيت ارستقراطى، وكان والدها مثقفا ومغرما بالشعر، وتلقى تعليمه فى لندن، بينما كانت والدتها تجيد العزف على البيانو.
والتحقت شويكار بمدرسة فرنسية، ولكن بعد أن وصلت إلى سن 16 عامًا زوجها والدها من شاب ثرى، وأنجبت شويكار ابنتها منة الله، وبعد عام من الزواج أصيب الزوج بمرض خطير، وظل مريضًا لأكثر من عام، فقررت شويكار استكمال دراستها الثانوية.
وقد لا يعلم الجمهور أن نجمته الجميلة التى كثيرا ما رآها فى دور الدلوعة، عاشت أكبر صدمة تتعرض لها امرأة عندما توفى زوجها الشاب، لتصبح الشابة الجميلة أرملة ومسؤولة عن طفلة وهى فى سن 18 عامًا.
واختيرت شويكار أمًا مثالية فى نادى سبورتنج، وهى فى سن 20 عامًا لأنها كانت تعمل وتدرس وتربى ابنتها، والتحقت بكلية الآداب قسم اللغة الفرنسية، وبحثت عن عمل بعد وفاة زوجها، فرشحها المخرج حسن رضا، الذى كان مقربًا من عائلتها، للعمل بفرقة أنصار التمثيل، وتلقت دروسا على يد محمد توفيق وعبدالوارث عسر، ومثلت أول أدوارها فى السينما فى فيلم «حبى الوحيد» سنة 1960، وتوالت عليها عروض الأفلام.
وبعد ارتباط شويكار وفؤاد المهندس بدأت رحلة الثنائى الفنى الذى أمتعنا بروائع المسرح والسينما والتليفزيون والإذاعة، وتوالت أعمالهما معا.
واستطاعت شويكار بنت الأكابر أن تجسد شخصية الهانم الدلوعة، وبنفس القدرة برعت فى أداء أدوار الفتاة والسيدة الشعبية التى تنتمى للطبقات المطحونة والكادحة، وأن تمثل الأدوار الكوميدية بنفس براعة أداء الشخصيات المركبة، بل إنها غيرت مفهوم وصورة المرأة التى تجسد الأدوار الكوميدية، والتى كانت غالباً تبتعد عن مقاييس الجمال قبل ظهور الجميلة شويكار، وحفظ الجمهور عباراتها وطريقة أدائها المميزة «شىء لا يصدكه عكل، وأنت اللى قتلت بابايا، وأنت الكلب الكبير، وغيرها».
أجمل ثنائى فنى.. استعادت شويكار خلال حديثها الأخير معنا ذكرياتها مع فؤاد المهندس فى رمضان الذى قدما خلاله العديد من الروائع، قائلة: «ارتبط الجمهور بنا فى شهر رمضان، وقدمت أنا والأستاذ فؤاد على مدار 15 عامًا مسلسلات إذاعية، كانت تذاع وقت الإفطار، وكنا أحيانًا بنفطر فى الشارع».
وتابعت: «الناس حبتنا وصدقتنا لما عملنا أغنية الصيام مش كدة، وصورناها للتليفزيون قبل رمضان بأسبوع، لأننا جسدنا دور راجل ومراته فى البيت فى شهر رمضان وكنا طبيعيين وكان بينادينى ياشوشو».
وضحكت وهى تستعرض مهاراتها كربة بيت: «زى ما بمثل كويس بطبخ كويس وأفصل ملابس وأشتغل تريكو لأنى بعمل كل حاجة بحب، ولما تعملى الحاجة بحب بتطلع حلوة دايما، وفؤاد مكانش بياكل إلا من يدى وكنت حبه الأول والأخير».
استمر الزواج بين فؤاد المهندس وشويكار ما يقر من 20 عاما، كانت خلالها النجمة الجميلة أما لأبناء المهندس من زوجته الأولى، وكان هو أباً لابنتها منة من زوجها الأول، ثم انفصل المهندس وشويكار فى هدوء دون أن يعرف أحد أسباب الطلاق حتى أقرب المقربين منهما، ورغم ذلك استمر الود بينهما.
وفى حوار أجريناه مع محمد فؤاد المهندس أكد أن علاقته وشويكار ظلت قوية بعد الطلاق، فكانت تطبخ له الأكل الذى يحبه وترسله إليه، كما أنه كلما احتاج شيئا اتصل بها، فكانت ترد دائما «عينيا يافؤاد»، وكانت تقف بجواره إذا مرض وتكون أول شخص فى المستشفى، وكانت تحرص على زيارته دائما فى أواخر أيامه وحتى وفاته عام 2006».
سنوات العزلة لم تكن اعتزالاً.. وكان آخر أعمال النجمة شويكار فيلم «كلمنى شكرا» عام 2009، والذى قامت فيه بدور أم إبراهيم توشكى السيدة البسيطة ابنة الحارة ألفقيرة، وأدت دورها ببراعة شديدة، وبعده ابتعدت عن الأضواء، خاصة بعدما أصيبت بكسر فى الحوض أثر عليها صحياً، ولم تعد ترغب فى الظهور، ولكنها كانت تتابع كل ما هو جديد فى الدراما وتتواصل تليفونياً مع زملائها، وترفض مصطلح الاعتزال قائلة: «مابحبش كلمة اعتزال».
وفى أخر مكالمة معها قالت: «مش هعاند الزمن، ما أقدرش أخرج وأصور لأن الكسر اللى حصل لى من سنين اتعالج غلط وأثر على صحتى، لكن لو فى عمل إذاعى وهييجوا يسجلوا معايا فى البيت ممكن أعمله».
وكان الفنان أحمد فلوكس أعلن منذ شهور أنه يرشح الفنانة شويكار، للمشاركة فى بطولة مسلسل إذاعى جديد يتولى إنتاجه اسمه «طلقنى شكراً»، وأنه أناب والده الفنان فاروق فلوكس للتفاوض مع شويكار، ومحاولة إقناعها بقبول العرض، متعهداً بتوفير كل سبل الراحة لها أثناء تسجيل الحلقات.
وحينها تواصلنا مع الفنانة الكبيرة شويكار التى أكدت أنه لم يتواصل معها أحد، ورغم ذلك أبدت استعدادها للعودة للعمل الفنى من خلال الإذاعة ولكن بشروطها.
وضحكت الفنانة الجميلة، قائلة: «ماعنديش مانع أرجع بطلقنى شكرا أو جوزنى شكر أو حبنى شكرا لكن بشروطى، وزى ما دلعتكم تدلعونى».
وأكدت الفنانة الكبيرة أن أهم شروطها هى أن يتم التسجيل معها فى منزلها ولا تنتقل للإذاعة مراعاة لحالتها الصحية.
وعن عودتها على الشاشة أجابت بحسم: «أشتغل إذاعة ممكن لكن على الشاشة لا صحتى ماتستحملش».
وقالت عن سر علاقة الحب الجارف بينها وبين الجمهور: «احترمت فنى ونفسى وجمهورى، فاحترمنى وأحبنى الجمهور».