أعلنت وكالة ناسا منتصف أغسطس 2020، تشغيل الحوامة المريخية إنجنويتى، للمرة الأولى فى الفضاء، وهى الأولى المصممة للطيران على كوكب آخر، وتتجه حاليًا إلى كوكب المريخ على متن مركبة برسفيرنس، التى انطلقت إلى الفضاء يوم 30 يوليو 2020.
يبلغ وزن المروحية نحو 2 كيلو وهى محمولة أسفل الهيكل الرئيس للمركبة برسفيرنس، وتتلقى شحنها منها، وشغل القائمون على المشروع بطاريات المروحية الست المصنوعة من أيون الليثيوم، وشحنوها لأول مرة فى الفضاء؛ وفقًا لناسا.
ونقل موقع سبيس عن تيم كانهان قائد العمليات فى مشروع مروحية المريخ فى مختبر الدفع النفاث فى ناسا: "ما حدث إنجاز كبير، كانت تلك فرصتنا الأولى لتشغيل المروحية واختبار أنظمتها الإلكترونية، ومنذ إطلاقها الأول سار كل شيء وفق المخطط. وسنكرر عملية الشحن كل أسبوعين للحفاظ على المروحية مشحونة جيدًا".
واستغرق شحن البطاريات 8 ساعات، اختبرت ناسا خلالها المروحية وحللت أدائها، وشُحِنت البطاريات حتى 35% فقط من استيعابها الأقصى، للحفاظ على سلامة أدائها.
وتتوقع ناسا أن تهبط المركبة برسفيرنس على سطح الكوكب الأحمر فى 18 فبراير 2021، وستنفصل عنها مروحية إنجنويتى فى مرحلة لاحقة، لتنطلق فى رحلات تجريبية رائدة فى أرجاء الكوكب الأحمر، وعندها ستشحن المروحية بطارياتها باستخدام ألواحها الشمسية.
وقال جوش رافيتش، المهندس الميكانيكى فى مختبر الدفع النفاث التابع لناسا، المشارك فى تطوير إنجنويتى، فى حديث خاص لمرصد المستقبل إن المروحية تمنحنا مرونة فى التنقل فى مختلف الأماكن؛ الخنادق والوديان وربما الجبال، التى لا تستطيع المركبات الجوالة استكشافها.
وقال مايك هيرشبيرج، المدير التنفيذى لمنظمة فرتيكال فلايت سوسايتى غير الربحية، الذى عمل سابقًا مع ناسا وداربا لطالما توقعت استكشاف المريخ بالطائرات يومًا. وكانت مفاجأة لطيفة حينما علمت أن ناسا اختارت هذه المروحية.
وستواجه البعثة تحديات كبيرة، إذ تبلغ كثافة الغلاف الجوى للمريخ 1% من كثافة الغلاف الجوى للأرض فقط، وله جاذبية أقل بصورة ملحوظة أيضًا. ويأمل رافيتش ومعاونوه أن تحلق إنجنويتى فوق سطح المريخ، لكنهم يدركون تمامًا أنها قد تفشل. وستكون مركبة برسفيرنس الأولوية الأساسية؛ وقال رافيتش: "أرى أننا فعلنا الكثير، ونحن واثقون من عملنا، لكنها مهمة تجربة تقنية، ولذا تقبلنا خوض مخاطرة أعلى قليلًا".
والمشروع نتيجة عقود من البحث والنكسات، وبدأت الفكرة منذ أكثر من 20 عامًا، عندما فاز فريق من طلاب هندسة الطيران فى جامعة ماريلاند بجائزة عن تصميم طائرة مارف، المركبة المريخية ذاتية القيادة ذات الأجنحة الدوارة، وهو تصميم يُشبه مروحية إنجنويتى المتجهة إلى المريخ إلى حد كبير، ولها شفرتان متحدتا المحور ترفعان جسم الطائرة المربع.
وقال هيرشبيرج: "لا توجد أى مدارج على المريخ، لذا رأينا أن الإقلاع العمودى قد يكون خيارنا الوحيد" وعلى هذا الأساس بدأ المهندسون فى العام 2014 بإثبات إمكانية عمل نموذج طائرة طولها 15 سم فى مختبر الدفع النفاث، للتأكد من إمكانية الإقلاع عن الأرض فى الغلاف الجوى للمريخ. لكن عندما حاولوا جعلها تطير فى غرفة مصممة لمحاكاة الظروف القاسية للمريخ، بغلاف جوى رقيق وحبل لمحاكاة الجاذبية المنخفضة للمريخ، لم تسر الأمور كما خططوا.
وأظهرت مقاطع فيديو لاحقة من العام 2014 نموذجًا هندسيًا يقفز بصورة عشوائية، وفقًا لمقال فى صحيفة نيويورك تايمز، وحقق المهندسون قوة الرفع اللازمة، لكنهم لم يستطيعوا السيطرة على الطائرة. واستطاع المهندسون السيطرة على الطائرة فى اختبارات الطيران فى مايو 2016 بزيادة كتلتها وتقوية شفرتيها وبرمجة حاسوب ليطير بها بصورة مستقلة، وهذا ضرورى على أى حال، إذ يصعب التحكم بها من كوكب آخر. وكان عليهم بعد ذلك أن يجعلوها قوية بما يكفى للنجاة فى تقلبات درجات الحرارة القصوى للمريخ. ووضع الفريق وحدة اختبار بيئية مصممة لهذا الغرض، لمحاكاة درجات الحرارة المتجمدة للمريخ فى الليل، التى تنخفض إلى -175 درجة مئوية، وهى درجة شديدة الانخفاض، وتؤدى إلى تعطل القطع الإلكترونية.
وتُصعّب تقلبات درجات الحرارة وأنماط الطقس غير المتوقعة عملية اختيار الوقت المناسب للطيران على المريخ. وعندما تكون إنجنويتى جاهزة للطيران فى ربيع العام 2021، سيكون على فريق مختبر الدفع النفاث إيجاد نقطة توازن بين الوقت الذى تبدأ فيه الرياح فى الهبوب والوقت المناسب لشحن البطارية من الشمس، وفقًا لرافيتش.
ويخطط الفريق بعد تحديد ذلك للتحليق بالمروحية الصغيرة لما يصل إلى خمس مرات خلال 30 يومًا. وستحلق المروحية فى محاولة الطيران الأولى على ارتفاع منخفض جدًا لمدة تصل إلى 30 ثانية. وستحلق فى الرحلة الخامسة والأخيرة، إن نجحت الرحلات السابقة لها، إلى ارتفاع يصل إلى أربعة أمتار ونصف، وستقطع مسافة 152 مترًا من موضع البداية، وستعود مرة أخرى للهبوط.
وستكون إنجنويتى البداية فحسب، وإن نجحت، فالخطوة التالية تطوير نسخة أكبر من المروحية لرحلة المريخ المقبلة بكتلة أكبر وبطاريات أكبر وألواح شمسية أفضل، ويُتوقَّع أن تتيح الترقيات للطائرات المستقبلية قطع مسافات أطول، واستكشاف مساحات أكبر من سطح المريخ.