"طبيب الغلابة".. وصف سبق صاحبه وبالكاد عبر عن جزء ضئيل جدًا مما يُقدمه لغيره من أبناء قرى وعزب مركز ومدينة القصاصين الجديدة، فى محافظة الإسماعيلية؛ إذ سطر الدكتور عصام فريد تادرس، استشاري الأنف والأذن والحنجرة، تاريخًا يصعُب على غيره أن يمتلك مثله، بعدما وهبَّ نفسه وعلمه لخدمة المرضى بأقل النفقات الممكنة، حتى أنه لا يتقاضى أي أجر نظير علاج المحتاجين.
"طبيب الغلابة" الدكتور عصام فريد تادرس
لا يزال الدكتور عصام فريد تادرس، حريصًا على الحضور إلى مدينة القصاصين فى الإسماعيلية مرتين أسبوعيًا لإجراء الكشف الطبي بعيادته الخاصة وإجراء عمليات "اللوز" للمرضى، فيما لا تزال قيمة كشفه ثابته لم تتغير "10 جنيهات فقط"، فيما كانت قيمة الكشف للجنود جنيه واحد فقط.
طبيب الغلابة مع أحد المرضى
بدأت رحلة الدكتور عصام فريد تادرس، استشاري الأنف والأذن والحنجرة، منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي، من مدينة "القصاصين"، والتي اعتاد وقتها أن يأتي إليها مستقلًا القطار والذي كان ينطلق فجرًا من مدينة الزقازيق، ليبدأ عمله مبكرًا سواء بالكشف أو اجراء عمليات استئصال اللوز بمستشفى "القصاصين"، قبل أن يعود إلى عيادته الخاصة، والتي كان يتقاضى فيها أجرًا رمزيًا لا يتجاوز بضعة جنيهات.
طبيب الغلابة بالإسماعيلية
"الفقراء والمحتاجين" قطاع عريض ظل يقصد عيادة الدكتور عصام لعشرات السنين، وفي كل مرة كان يقوم بصرف العلاج لهم بالمجان دون حتى تقاضي أي أجر نظير الكشف عليهم.
مرت السنوات سريعًا وتجاوز الدكتور عصام الثمانين عامًا، لكن علامات مضيئة خلدتها قصة كفاحة ورحلته مع الطب بدءًا من رفض كل الترقيات طوال فترة عمله بـ"القصاصين" وصولًا إلى آداء رسالته في خدمة المرضى مباشرةً.
أهالى القصاصين يكرمون طبيب الغلابة
"طبيب الغلابة" منذ بداية رحلته ذاع صيته في مدن القناة الثلاثة لأكثر من نصف قرنٍ من الزمان، حتى أن عشقه للقصاصين كان الوقود الذي أجج ارتباطه بالمدينة وقتما كان طبيبًا يافعًا أيام "التهجير" قبل وأثناء حرب أكتوبر 1973، إذ كان لا يمانع آنذاك من إجراء الكشف حتى وهو في القطار ذاهبًا أو عائدًا، فيما كانت أغلب الأدوية التي يُعطيها لمرضاه بالمجان، نظرًا لأن أغلبهم من الفقراء والمحتاجين ممن استحقوا إعفائهم من قيمة الكشف طوال تاريخه منذ تخرجه، ليُخلد أهيمة وقيمة الطب وأنه رسالة قبل أن يكون مهنة، وذلك في الوقت الذي وصل كشف بعض الأطباء لمئات الجنيهات.
طبيب الغلابة أثناء الكشف على مريض
ودشنَّ عدد من أهالي وأبناء محافظة الإسماعيلية، دعوة مفتوحة وجههوها للواء شريف فهمي بشارة، محافظ الإسماعيلية، بتكريم "طبيب الغلابة" وإطلاق اسمه على أحد شوارع مركز ومدينة القصاصين، وسط دعوات كثيرة ترجو الاستجابة لتخليد وإطلاق اسمه؛ بدعوة أن ما قدمه ليس بالقليل في عالم الطب ورسالته السامية، خاصةً وأنه لا يزال على عهده منذ بدايته مع ممارسة الطب وعلاج المرضى.
ويخدم أهالي الإسماعيلية منذ سنوات طويلة ولا يعنيه كثيرًا ثمن الكشف، تحت شعار "الطب رسالة وليست تجارة، هكذا تحدث الدكتور عصام الذي يقول إن أساس مهنة الطب هو إنقاذ حياة الإنسان ومساعدتهم على الحياة وليست تجارة أو مراهنة على حياة أي إنسان.
الدكتور عصام فريد تادرس يكشف على أحدى المرضى
منذ أن تخرج عام في جامعة عين شمس عام 1962، بدأ رسوم الكشف في عيادته بجنيه واحد ثم ثلاثة جنيهات وبعدها 5 جنيهات واليوم وقد وصل سنه إلى الثمانين عامًا وصل كشفه إلى 10 جنيهات، يحصل منها على 7 جنيهات، وثلاثة جنيهات للمساعدين الثلاثة.
ومفسرًا سبب تمسكه بسعر الكشف منخفضًا يتابع الدكتور عصام: "لا أطمح في أن أشترى سيارة، أو أبنى عمارة، لا أحتاج غير الصحة والستر فقط، ولا أفرق في الكشف بين المسلم والقبطي، الاثنان مرضى ويحتاجان للكشف والرعاية، والمحتاج لابد أن يجد من يعطف عليه وليس يذبحه".
ماجدة ألفونس زوجه طبيب الغلابة
وعن الأزمة الكبيرة التي تعرض لها الدكتور عصام، تقول زوجة طبيب الغلابة، إن زوجها تعرض لحادث سرقة وهو ذاهب لعملة قبل استقلاله القطار، حيث قام شابان يقودان دراجة نارية بخبطة على رأسه وسرقة شنطته التي كانت تحتوي على كل شيء خاص به، وقتها قال الأطباء إنه من الصعب العودة مرة أخرى لعمله، لأن الحادث تسبب في نزيف وجلطة، ولن يستطيع أن يحرك قدمه مرة أخرى، لكن طبيب المخ والأعصاب قال وقتها عندما تعافى إن ما حدث معجزة، بسبب دعوات الغلابة.