اجتمع البرلمان الكونغولى بعد توحيده، وانتخب رئيسا له، كما انتخب زعيم الثوار من أنصار قائد نضال الوطنيين فى الكونغو لومومبا نائبا لرئيس الوزراء.. جاءت هذه الخطوة يوم 2 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1961، بعد أقل من ثمانية شهور من اغتيال لومومبا الذى كانت تدعمه مصر، ووقف الاستعمار البلجيكى والمخابرات الأمريكية وراء اغتياله يوم 17 يناير عام 1961، ووفقا لمحمد فايق فى مذكراته «عبد الناصر والثورة الأفريقية»، فإن مصر رحبت بخطوة البرلمان الكونغولى، وتبعها تسوية مسألة «الذهب الكونغولى فى البنك المركزى المصرى».. فما أسرار قصة هذا الذهب؟
كان «فايق» مسؤولا عن الدائرة الأفريقية فى رئاسة الجمهورية، ولم يكن بلغ الثلاثين من العمر «مواليد 28 نوفمبر 1928»، وبالتالى كان رجل عبد الناصر لدى كل حركات التحرر الأفريقية فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، وكانت قضية استقلال الكونغو واحدة من أبرز قضايا التحرر الأفريقى التى تعامل معها عن قرب، وسافر لأجلها إلى الكونغو بتكليف من عبد الناصر، وقابل لومومبا واتفقا على طريقة لمراسلات سرية بينهما.
يطرح «فايق» فى مذكراته سؤالا مهما هو: «لماذا ساندت مصر نضال لومومبا من أجل تحرير الكونغو من الاستعمار البلجيكى؟، ويكتسب هذا السؤال أهميته مع هجوم البعض على عبد الناصر بالزعم أنه أرسل الجيش المصرى إلى الكونغو.
يجيب فائق: «أهمية الموقع الجغرافى للكونغو بالنسبة لمصر.. فتأمين منابع النيل هدف من أهداف الاستراتيجية المصرية، وكان عبد الناصر يعرف جيدا أن تأمين منابع النيل لا يتأتى إلا باستقلال الدول المشتركة معنا فى نهر النيل، وتخليصها من السيطرة الاستعمارية حتى نستطيع أن نقيم معها علاقات الصداقة وحسن الجوار».. يكشف سببا آخر، وهو: «متاخمة الكونغو لجنوب السودان تجعل له أهمية خاصة، فمشكلة الجنوب فى السودان والمحاولات المستمرة للانفصال كان يغذيها الوجود الاستعمارى فى المناطق المحيطة به، وكان حل هذه المشكلة مرهونا بوقف النشاط المعادى للسودان فى الدول المتاخمة».
تجسدت قيم النضال الوطنى الأفريقى فى شخص لومومبا فأيدته ودعمته مصر، ويكشف «فايق» أنه تعرف عليه لأول مرة عام 1958 فى مؤتمر الشعوب الأفريقية فى أكرا، وكان هو شديد الإعجاب بعبد الناصر، وأسفر نضاله عن منح بلجيكا الاستقلال للكونغو فى يوليو 1960، وتولى رئاسة الحكومة بعد أن نجح حزبه فى الانتخابات وبتحالفه مع أحزاب أخرى استطاع أن يحوز على الأغلبية، غير أن الواقع كان شديد البؤس.
يؤكد فايق: «لم يكن هناك أفريقى واحد من الوطنيين يشغل منصبا مهما.. كان عدد الوطنيين فى الجهاز الإدارى كله 640 أفريقيا جميعهم فى الوظائف الدنيا من 10 آلاف إجمالى عدد المشتغلين فى هذا الجهاز، كما لم يكن هناك أعداد تذكر من الأفريقيين خريجى الجامعات ولا وطنى واحد برتبة ضابط فى الجيش حيث اقتصرت على البلجيك».. يضيف فايق: «بعد ثمانية أيام من إعلان استقلال الكونغو، تمرد الجيش الكونغولى بتحريض من ضباطه وكانوا جميعا من «البلجيك»، ووزع أسلحة على المدنيين البلجيك فعمت الفوضى البلاد، وبعد ثلاثة أيام من هذا التمرد أعلن «تشومبى» حاكم إقليم «كاتنجا» انفصال الإقليم الذى تتركز فيه ثروات الكونغو، وكان ذلك بتحريض من البلجيك الذين سارعوا بإرسال خمسة آلاف جندى إلى الكونغو رغم اعتراض لومومبا وحكومته».
يؤكد فايق، أنه بناء على حالة النهب والفوضى والسلب التى سادت العاصمة طلب لومومبا فى 11 يوليو عام 1960 من الأمم المتحدة إرسال قوة دولية لحفظ القانون والنظام فى الكونغو، وكان يبغى من وراء ذلك وقف التدخل البلجيكى ومنع بلجيكا من العودة للسيطرة، وأبدى رغبته لبعض الدول الأفريقية فى أن تشترك فى هذه القوة، وكانت مصر من بينها وبالفعل استجابت مصر، وأرسلت قوة قوامها كتيبة من المظليين بقيادة العقيد سعد الدين الشاذلى «الفريق فيما بعد ورئيس أركان حرب القوات المسلحة أثناء حرب أكتوبر 1973».
تفاقمت الأزمة بقرار رئيس الكونغو «كازافوبو» إقالة لومومبا الذى رفض القرار، فانقسمت السفارات فى العاصمة «ليوبولدفيل»، بعضها يؤيد «كازافوبو» وبتدعيم بلجيكى أمريكى، وأخرى تؤيد لومومبا الذى انتقل أنصاره إلى مدينة «استانلى فيل».. يتذكر فائق، أنه فى ظل هذه الأجواء كلفه عبد الناصر بالسفر إلى الكونغو للقاء لومومبا وتسليمه رسالة، وبالفعل وصل إلى العاصمة «ليوبولدفيل» يوم 27 أغسطس 1960، وكان على نفس الطائرة عبد المجيد فريد سكرتير عام رئاسة الجمهورية، فماذا رأى وما علاقته بقصة الذهب؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة