تحديات كبرى فرضها وباء كورونا على صناعة الطيران داخل الولايات المتحدة، تفوق ـ بحسب خبراء ـ حالة العزوف عن الطيران التى فرضتها هجمات 11 سبتمبر، والتى تلتها مخاوف مرتفعة لدى المسافرين حول العالم من الإقدام على ركوب الطائرات، خوفها من تعرضها لأعمال إرهابية أو اختطافها من قبل إرهابيين.
وبحسب تقرير نشرته شبكة سى إن إن الأمريكية، فإن الإدارة الأمريكية والقائمين على صناعة الطيران داخل الولايات المتحدة، استطاعوا أن يواجهوا حالة العزوف عن السفر التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر، بحملات أمنية موسعة، ساهمت بدورها بخالق حالة من الشعور بالأمان داخل المطارات الأمريكية، إلا أن التعامل مع أزمة كورونا لم تكن بالكفاءة نفسها، حيث اتسمت إجراءات احتواء الفيروس والحد من مخاوف انتقال العدوى على متن الطائرات بالتخبط.
وواجهت صناعة الطيران الأمريكية بوجه عام العديد من العقبات فى جذب المزيد من الأشخاص للسفر، ولكن كان التحدى الأكبر متمثلا فى الخوف والأسعار.
وقبل تفشى وباء كورونا كان عدد قليل من الأشخاص يخافون الطيران بفضل الندرة الشديدة لحوادث الطيران في الولايات المتحدة والأسعار المحلية المعدلة حسب التضخم والتى كانت أقل من أى وقت مضى، ونتيجة لذلك سافر 811 مليون شخص في الولايات المتحدة عام 2019.
واليوم ، الأسعار فى أقل معدلاتها على الإطلاق، لكن خوف الأمريكيين من الطيران قد يكون الأعلى، حيث أن خطر الجلوس في مكان مغلق مع عدة مئات من الغرباء على ما يبدو الظروف المثالية للإصابة بالعدوى، وهو ما دفع الملايين لتجنب السفر الجوى، تراجعت حركة الركاب بنسبة 95% فى أبريل مقارنة بالعام الماضى، ولا تزال أقل بكثير من المعتاد.
وقالت شبكة سى إن إن فى تقريرها، إن ما يحدث الآن ليس بالجديد فمنذ ما يقرب من عقدين أنعدم الطلب على السفر الجوى بعد أن أدت هجمات 11 سبتمبر إلى خوف من الطيران استمر لعدة سنوات.
وحاولت صناعة الطيران التغلب على ما أطلق عليه "رهاب الطيران الإرهابى" فعلى الرغم من أن احتمالات التواجد على متن طائرة يتم اختطافها ضئيلة للغاية إلا أن تغير تصور هذا الأمر بشكل ملحوظ بعد 11 سبتمبر بات قائماً، ففى استطلاع أجرى مباشرة بعد الهجوم، وقال أكثر من 40% من الأمريكيين إنهم أقل استعدادًا للطيران.
وأمرت الحكومة الأمريكية بإغلاق جميع المطارات لمدة ثلاثة أيام وقتها، وعندما أعيد فتحهما كانت حركة الركاب لا تزال منخفضة بنسبة 30% تقريبًا عن العام السابق وهو ما بعث برسالة إلى المطارات مفادها أنه يجب توفير مستوى أعلى من الأمان، وهذا هو السبب فى أن الركاب العائدين إلى المطارات فى الأيام التى أعقبت 11 سبتمبر وجدوا بيئة مختلفة تمامًا شملت الدوريات العسكرية المسلحة والتدقيق الشديد فى تحديد الهوية والفحص للأشخاص والحقائب على حد سواء قبل السماح لهم بالصعود على متن الطائرة، كما تم استبدال الجنود فى النهاية بوكلاء يرتدون الزى الرسمى لإدارة أمن النقل التى تم إنشاؤها حديثًا إلا أن الإجراءات الأخرى التي تم وضعها لا تزال قائمة.
وتمكنت المطارات وشركات الطيران من إنشاء البنية التحتية الجديدة بسرعة، لأن الكثير من المعدات الأساسية تم تطويرها استجابة لتاريخ طويل من عمليات الاختطاف والهجمات الإرهابية الأخرى ضد الطيران، وعلى مر السنين قاموا بتطوير آلات الأشعة السينية وأجهزة قياس المغنطيسية ومعدات الكشف عن المتفجرات.
بعبارة أخرى ، كان القائمين على إدارة صناعة الطيران يعرفون ما يتعين عليهم القيام به لمعالجة مخاوف الركاب، ولديهم بالفعل الأدوات اللازمة للقيام بذلك.
واستغرق الأمر عدة سنوات، لكن صناعة الطيران تعافت في النهاية، وكان الأمريكيون يحلقون بأرقام قياسية مرة أخرى. ولكن في عام 2020، تواجه صناعة الطيران تحديًا جديدًا وهى جائحة فيروس كورونا المتطور الذى لا يظهر أى علامات على النهاية لأشهر إن لم يكن لسنوات.
وبخلاف أزمة 11 سبتمبر، فإن أزمة كورونا لم تخلق فقط حالة خوف من الطيران، وإنما أبعدت معظم دوافع السفر، فبحسب سي إن إن، بات الجميع يسأل نفسه : لماذا تطير إذا لم يكن هناك شيء للسفر إليه لا مؤتمرات، لا اجتماعات عمل شخصية ، لا أماكن عطلة مفتوحة بعد الاغلاقات العالمية.
وفي يونيو، انخفضت حركة الركاب عبر المطارات الأمريكية بنحو 81% عن مستويات العام الماضى مع تحسن طفيف من مايو وأبريل عندما كان معظم العالم تحت الإغلاق.
وعلى عكس الإرهاب، فإن عالم الطيران ليس له تاريخ يذكر في التعامل مع الأوبئة، وليس لديه مجموعة متفق عليها من المعدات أو الإجراءات المقبولة، حيث كان لتفشى المرض فى الماضى، مثل السارس فى عام 2003 و MERS في عام 2005 تأثير لا يذكر على السفر الدولى.
وفى عام 2003 ، على سبيل المثال قالت منظمة الصحة العالمية، إن خطر انتقال السارس على متن الطائرة كان منخفضًا جدًا واستمر تفشى المرض بالكامل بضعة أشهر فقط، وأصاب أكثر من 8000 شخص بقليل فى 29 دولة.
وبحسب التقرير فأن إدارة أمن المواصلات والصناعة كانت بطيئة إلى حد ما في اعتماد سياسات جديدة تتعامل مع تهديد Covid-19. على الرغم من أن الفيروس ورد أنه كان فى الولايات المتحدة في وقت مبكر من ديسمبر، إلا أنها لم تبدأ في إخطار الركاب متى وأين كان اختبار وكلاءها إيجابيًا حتى منتصف مارس، قبل وقت قصير من أول أمر بالبقاء فى المنزل فى 19 مارس، حيث أصدرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أول توجيه لها حول استخدام الأقنعة فى 3 أبريل وهو ما كان قبل شهر آخر من بدء شركات الطيران فى مطالبة الركاب بارتداء الأقنعة.
وبعد 11 سبتمبر، قدمت واشنطن متمثلة في إدارة الطيران الفيدرالية والكونجرس والبيت الأبيض إجراءات ورسائل قوية ومتسقة إلى حد كبير تهدف إلى تسهيل الانتعاش السريع للسفر الجوى فى الولايات المتحدة على العكس من التحدى الحالى، الذى يمثله كورونا الذى يبدو أنه يفتقر إلى الاستجابة نفسها، حيث ترك الأمر لشركات الطيران ومسؤولى المطارات المحلية، وكانت النتيجة مزيجًا من السياسات والإجراءات مع المطارات الفارغة إلى حد كبير وشركات الطيران التي تكافح من أجل موازنة أحمال الركاب ، والإبعاد الاجتماعي وتضاؤل الإيرادات. ونتيجة لذلك ، فإن التخفيضات في السعة تعني أن العديد من الطائرات يتم تعبئتها مرة أخرى إلى الحافة ، حتى مع تفاقم الوباء في الولايات المتحدة.
وفي حين وعدت بعض شركات الطيران بمواصلة الابتعاد الاجتماعي على الطائرات من خلال إبقاء المقاعد المتوسطة مفتوحة فإن شركات أخرى ما زالت تهدف إلى تحقيق السعة الكاملة.
ووفقا لخبراء يمثل الفيروس التاجي تهديدًا للطيران، وقد تستغرق الصناعة وقتًا طويلاً لتطوير المعدات والسياسات والإجراءات للتعامل معه، ومن المحتمل أن يكون الوقت متأخرًا جدًا لإنقاذ الصناعة من الوباء الحالى، ولكن يأمل الجميع أن نكون جاهزين للوباء التالى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة