هناك مفاهيم أصبحنا نتجنبها ونتهرب منها، وربما لا نستسيغها في حياتنا، وكأنها أمور تُقلل من شأننا، وتنال من نجاحنا، وتُسقطنا من القمة، وكأن تلك الثقافات تراجعت، وأصبحت مُوضة قديمة، عفا عليها الزمن، وغير مُعترف بها في وقتنا الحالي.
فعلى سبيل المثال، أصبح مفهوم القُدوة والمثل الأعلى غير مُحبذ حاليًا، بمعنى أننا إذا سألنا أحد الأشخاص اللامعين عن قُدوته في الحياة، نجده يتردد كثيرًا في الإجابة عن هذا السؤال، ويظل يدور حول السؤال، وإذا جاوب تكون إجابته شائكة، كمن يخشى أن يكون له مثيل في تلك الحياة، وإذا اختار شخصًا بعينه، ففي الغالب الأعم يكون هذا الشخص قد خرج من عالمنا، وكأنه يخشى أن يُعيّره هذا الشخص في يوم من الأيام، بأنه مثله الأعلى وقُدوته.
وكذلك إعطاء كل ذي حق حقه، والمقصود هنا الحق الأدبي والمعنوي، فالإنسان عندما يكون في احتياج شديد لأمر ما، تجده يبحث وبمُنتهى الهمة عمن يساعده في الوصول إلى مأربه، وعندما يتحقق الهدف بمساعدة الغير، تجده يمتدحه، ويذكر ما فعله معه، ويظل يُردد ما يُفيد أنه مدين له بالفضل، ولكن ما أن تمر الأيام والسنوات، ويجد هذا الشخص نفسه أصبح لامعًا وناجحًا، يتهرب من فكرة أن هناك شخص كان صاحب الفضل عليه فيما وصل إليه، وكأنه يخشى أن يُنْسب نجاحه لغيره، أو يُشاركه فيه أحد، ولو حدث، وذكره أحدهم بأن الفضل يعود إلى ذلك الشخص، يغضب ويثور، ويُردد أنه لو لم يكن يملك مُقومات النجاح، ما كان وصل إلى ما هو عليه الآن.
وهكذا، أصبح مفهوم الاعتراف بالجميل، وتذكر أصحاب الفضل، واتخاذ القُدوة، والثمل الأعلى مفاهيم غير مقبولة، أو مُستساغة، وكأنها تُقلل من الإنسان، وتنال منه، فلقد أصبحنا نتعامل مع هؤلاء الأشخاص على أنهم سيقتسمون معنا تركة النجاح، ومن هنا باتت تلك المفاهيم شبه ميتة في زماننا هذا!!!
بقلم
د./ داليا مجدي عبد الغني
