تفجير بيروت يدمر المجتمع الثقافى فى لبنان.. هدم أسقف وجدران متحف قصر سرسق الذى يعود تاريخه لعام 1912.. الانفجار سبب أضرارا بالغة بأرشيف مصور يوثق قرنا من الحياة بالشرق الأوسط.. وفنانون: لن نوقف الدفاع عن قضيتنا

السبت، 22 أغسطس 2020 06:30 م
تفجير بيروت يدمر المجتمع الثقافى فى لبنان.. هدم أسقف وجدران متحف قصر سرسق الذى يعود تاريخه لعام 1912.. الانفجار سبب أضرارا بالغة بأرشيف مصور يوثق قرنا من الحياة بالشرق الأوسط.. وفنانون: لن نوقف الدفاع عن قضيتنا تفجير بيروت
كتب محمد رضا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تركت تفجيرات مرفأ بيروت آلامًا وجراحًا فى نفوس اللبنانيين لم تلتئم بعد، والتى يبدو أن آثارها الأليمة ستظل ممتدة لشهور بل لسنوات طويلة، ولم تقتصر ملامح الدمار والخراب الذى خلفه أحد أكبر الانفجارات غير النووية بالتاريخ فى ميناء بيروت على تدميرها منازل العاصمة اللبنانية فقط، بل وطال أيضًا المجتمع الثقافى المزدهر فى لبنان الذى أصبح يعيش كابوسًا.

 

وبينما كانت تجتاح الموجات الانفجارية مدينة بيروت، كانت زينة عريضة، وهى مديرة متحف قصر سرسق، تقف خارج مكتبها مع اثنين من زملائها، وفى لحظة من الزمن، ألقت بهم قوة الانفجار عند سلم المتحف، أى على بعد أقل من ميل واحد، حيث كان حطام النوافذ والزجاج يحيط بهم من كل مكان، وعن هذه اللحظة، قالت عريضة، بعد 3 أيام من وقوع الانفجار، "لقد هربنا بمعجزة"، وأضافت: "تدمر المتحف بكل بساطة، لم يكن هناك أى باب، أو نافذة، أو زجاج، متبقى على حاله فى البناء".

1

 

وتسببت قوة الانفجار أيضاً فى هدم أجزاء من الأسقف والجدران الداخلية للمتحف، وهو موجود فى قصر أبيض مزخرف يعود تاريخه إلى عام 1912، وبعد أقل من 5 سنوات من إعادة افتتاحه فى أكتوبر 2015، وعمليات تجديدية دامت لـ7 سنوات بتكلفة تزيد عن الـ10 ملايين دولار، أصبح المتحف حطاماً.

 

وعرض المتحف مجموعة كبيرة من الفن اللبنانى، الذى يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر فصاعداً، وكان معروفاً أيضاً باستضافته معارض مؤقتة منتظمة لفنانيين لبنانيين وعالميين، ورغم تضرر العديد من الأعمال الموجودة فى المتحف، إلا أن النوافذ الزجاجية التى تزين واجهة البناء قد أنقذت الكثير منها من الدمار، وتقول عريضة: "الزجاج الملون رقيق للغاية، لدرجة أننا عندما ذهبنا لإلقاء نظرة على الضرر أول مرة، كنا نسير على أرضية من البودرة الملونة"، وذلك حسب ما نشرته شبكة "CNN" الإخبارية.

2

 

وتسبب الانفجار الهائل، الذى قيل إنه نتج عن 2750 طناً مترياً من نترات الأمونيوم المخزنة فى مستودع فى ميناء بيروت، إلى مقتل عشرات الأشخاص، وإصابة أكثر من 6 آلاف شخص، ونزوح أكثر من 300 ألف شخص من منازلهم، كما كون الانفجار سحابة فطرية الشكل، وموجة ارتدادية ألحقت الضرر بالعديد من المبانى الموجودة على بعد أميال، وقالت عريضة: "أعرف الكثير من الجرحى الذين فقدوا منازلهم، بعضهم مات.. إنه كابوس حى".

 

وفيما كانت تقع العديد من المساحات الفنية بالمدينة اللبنانية الساحرة، وهى موجودة فى أحياء مار مخايل والجميزة وغيرها، بالقرب من مركز الانفجار، قال الكاتب المسرحى والمخرج، لوسيان بورجيلى: "كانت هذه الشوارع مركزاً للفنانين من العديد من نواحى الحياة.. إنها مليئة بأصدقائنا وزملائنا".

 

بعد ثلاثة أيام من الانفجار، أنشأ بورجيلى وآخرون مجموعة على الإنترنت لتقديم المساعدة والدعم للأشخاص الذين فقدوا منازلهم، ويقول بورجيلى، الذى ساعد فى تنظيم الاحتجاجات عام 2015 عندما تركت القمامة فى شوارع بيروت، إن الفنانين يلعبون دوراً حاسماً فى قيادة الدعوة للتغيير بعد الانفجار، لأنهم غالباً ما يعملون لحسابهم الخاص، وليسوا مندمجين فى النظام السياسى الطائفى بلبنان.

3

 

وكان الانفجار قد دمر معرض "جاليرى تانيت"، الذى يقع على بعد أقل من كيلومتر من الانفجار، تاركاً وراءه أعمدة خرسانية فقط، وأصيب أحد الموظفين بجروح خطيرة، كما قتل جان مارك بونفيس فى الانفجار، وهو المهندس المعمارى الذى صمم المعرض وعاش فوقه.

 

كذلك تعرضت المؤسسة العربية للصور، وهى تحمى مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية التى توثق قرنًا من الحياة فى الشرق الأوسط، لأضرار بالغة، وأصيب ثلاثة من الموظفين وأعضاء مجلس الإدارة جراء الانفجار، وفى الوقت الذى يعلنون فيه الحداد على ضحايا الانفجار، يكافح صانعو المعارض والفنانون والمبدعون فى المدينة لمعالجة الأضرار التى لحقت بالعديد من الأماكن الثقافية الأكثر أهمية فى المدينة.

 

ويقول المصمم صالح بركات، الذى افتتح معرض أجيال من الفن: "المدينة دمرت، إنها فى حالة تفوق الوصف.. لا يوجد شخص واحد فى بيروت لم يتضرر.. إنها كارثة لا تصدق"، ويُعتقد على نطاق واسع أن الانفجار حدث كنتيجة مباشرة للفساد والخلل الوظيفى بين القادة الذين تشبثوا بالسلطة لأكثر من ثلاثة عقود، وأضاف "ربما كنا بحاجة إلى هذا كنداء للاستيقاظ، نحن غاضبون للغاية، نحن ندفن موتانا ونعتنى بالمصابين، لكن الغضب يتزايد ويتزايد".

4_0

 

وتابع بركات: "سيكون من غير المرجح أن تعود الأمور إلى طبيعتها أو أن المشهد الفنى سيعود مرة أخرى، فى أقل من ستة أشهر"، وتساءل: "كيف يمكننى أن أعيد الافتتاح مرة أخرى؟ ليس لدى نوافذ، وليس لدى أبواب، ليس لدى أى شىء.. لقد رأيت الكثير من المواقف السيئة، ولكن كان هناك أمل فى كل مرة.. نحن الآن مفلسون، كيف ستفعل أى شىء إذا لم يكن لديك أى نقود".

 

وقال صاحب المعرض: "لن نتوقف عن الدفاع عن قضيتنا، لكن يجب أن تكون هناك بعض التغييرات قبل أن نتمكن من الاستمرار.. يجب أن نكرس وقتنا وحياتنا لتغيير النظام، وبعد ذلك سنرى".

 

كما تدمر معرض "مشاريع المرفأ"، وهو يقع بجوار المكتب الجمركى فى المرفأ اللبنانى، بشكل كامل جراء الانفجار، وقالت مالكة المعرض، جمانا عسيلى: "كل ذلك الوقت كنا نعمل ونعرض الأعمال، على بعد 500 متر، من نوع من القنبلة النووية".

5

 

لم تعد جمانا عسيلى مهتمة بفقدان معرضها، ولكن ما يثيرها غضباً هو الأشخاص الذين فقدوا حياتهم، ومنازلهم، والأشخاص الذين ليس لديهم المال لإعادة بناء بيوتهم، ولكن تبقى عسيلى مصممة على إعادة فتح معرضها مرة أخرى، حيث قالت: "كان الموقع مهماً للغاية بالنسبة لى"، مضيفة: "تشعر فعلاً أنها قلب بيروت، لأن كل شيء يمر من هناك".

 

وتحت الغضب والحزن، يشعر الكثيرون بالإرهاق، وقالت عريضة: "يعتمد المشهد الثقافى بشكل كبير على المبادرات الخاصة، وفى كثير من الأحيان على أفراد معينين كانوا يكافحون على مدار الـ25 عاماً الماضية، إن لم يكن أكثر، والمخيف هو أننا بالفعل مرهقون ومحبطون للغاية"، ومع الضرر الناجم عن الانفجار، وهو مقدر بقيمة تصل إلى 5 مليارات دولار، يتزايد القلق أيضاً بشأن كيفية حماية التراث المعمارى للمدينة، واليوم، يشعر الكثيرون بالقلق من هدم هذه المبانى.

 

وأوضح جريجورى بوكاجيان، وهو فنان أمضى 10 سنوات فى توثيق المبانى المهجورة ببيروت، أن "الحرب" مستمرة منذ فترة طويلة، بين أولئك الذين يريدون الحفاظ على التراث المعمارى للمدينة والحكومة، التى تركت مبانى الحقبة العثمانية والانتداب الفرنسى عرضة للمطورين الذين يريدون هدمها واستبدالها بناطحات سحاب أكثر ربحًا، وقال: "كان يقول الكثير من الناس إن البلدية ستحاول هدم المبانى بحجة أنها على وشك الانهيار"، مضيفاً: "ستكون بالتأكيد معركة للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه".

6

 

وكان قصر سرسق قد بنى عام 1860، حيث تم ترميمه بعد أكثر من 20 عاماً من انتهاء الحرب الأهلية، وتسبب الانفجار فى تدمير الجزء الداخلى للقصر المؤلف من ثلاثة طوابق، وكانت قد انهارت الأسقف الخشبية العثمانية المزخرفة، تاركة المفروشات العتيقة محطمة ومدفونة تحت الخشب والأنقاض والزجاج، ويقول أصحابه إنه لا جدوى من محاولة إصلاح الضرر بينما يظل القادة الفاسدون أنفسهم فى السلطة، لكن يتطلع بعض الناس بالفعل إلى الأمام، قائلين: "هناك شعور بالتضامن.. لدينا شعور بأننا جميعاً فى هذه الورطة معاً".

 

وبالعودة إلى متحف سرسق، تجمع عريضة القطع المتناثرة لعمل الفنانة سيمون فتال، التى لربما أرادت استخدامها فى خلق شىء جديد، كما عرضت استخدام مساحات التخزين فى المتحف للمؤسسات والفنانين الآخرين.

7

 

8

 









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة