عقودٌ طويلةٌ مرت على جامعات مصر، لم تتخل فيها عن دورها كمنارةٍ أنقذت عقولاً من شتى بقاع الأرض من غياهب الظلام ووضعتهم على طريق النور، إذ تواكب التغيرات من حولها بحنكةٍ، فتنالُ منها ما يدفعُ بها إلى الأمام ويثري حياة شعوبنا، وتترك عنها ما قد يقوضُ المجتمع ومبادئه.
تتألق تجربة التعليم الجامعي في مصر بكوادرٍ جبلت على مبادئ لا تهاون فيها، أساتذةٌ يتحلون بقيمٍ أخلاقيةٍ سبغها عليهم مجتمعٌ تتطلع عيونه إلى الاستقرار عن طريق التمسك بالأصول والآداب والأعراف والتقاليد، ويحمي نفسه قدر الإمكان من كل مستحدثٍ منفرٍ، ولكن بات كل ذلك مهددًا بتصرفات فردية، قد تصبح سلوكاً يهدد مجتمع بأكمله، بسبب تحول بعض من يُفترض فيهم القدوة والمثل من منارات ثقافية إلى شعلة نارٍ حمراء لا تضيء أمامها، ولكن تحرق كل ما حولها، كحال المدرس المحال إلى المعاش بكلية التربية بجامعة الإسكندرية عبد الله سرور.
رجلٌ أعاد للأذهان شخصية «فتواية» الجيزة الشهيرة في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي «سكسكة»، التي لم يسلم كبيرٌ أو صغيرٌ، رجلٌ أو امرأةٌ من لسانها، بسبب وبدون.
لم تكن «سكسكة» كسائر بني آدم يقيم ظهرها الأكل والماء فقط، بل التطاول على البشر كان بالنسبة لها أيضاً ضرورة ملحة للاستمرار والتعايش والحياة، وهي الشخصية التي اُستلهم من قصة حياتها دور الفنانة عبلة كامل في الفيلم الشهير «خالتي فرنسا».
«جر الشكل» الذي رأيناه من عبلة كامل للقريب والغريب ليل نهار في في فيلمها «خالتي فرنسا»، يعيده على أبصارنا الدكتور عبد الله سرور بحذافيره، فلا يفيقُ الرجلُ من نومِه يبحثُ عن فطوره وكتاب يقرأه يستزيد منه فيزيد طلابه ومريديه – إن وجدوا – بل يبحث عن شخصية بارزة أو ناجحة في مجال التعليم أو خارجه ليشوهها بما فيها وليس فيها.
الدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي، لفت بعد نجاحه وقيادته لسفينة التعليم العالي بثقة وثبات انتباه الأستاذ عبد الله سرور، فخصص له من المنشورات بدلاً من الواحد عشرات، حتى بات متابعوه - عبد الله سرور- يسألونه عن سبب الخصومة الشخصية بينه وبين الوزير، حتى يهاجمه بهذه الضراوة بأحاديث ووقائع لا محل لها من الإعراب.
خلال الساعات الماضية، وقع الدكتور عبد الله سرور في حيرة كادت تقتله، فالدكتور خالد عبد الغفار لم يقم بشيء يمكنه أن يتخذه سبباً للهجوم عليه، وبعد بحث وعصف ذهني ومداولات مع الشيطان، قرر «سرور» أن يهاجمه من باب الجامعات الأهلية.
هجوم الرجل - المستحق في حقيقة الأمر للشفقة - على الدكتور خالد عبد الغفار بسبب الجامعات الأهلية، التي يعتبرها المصريون هدية لهم، قوبل من متابعيه بهجوم شديد، لا لأن جميع من على صفحته دفع بابنه إلى تلك الجامعات، ولكن لافتقاد الرجل لأدنى معايير المنطق والعقل.
ترك الرجلُ كل ما في تلك الجامعات من مميزات وفوائد تخدم طلاب مصر في مختلف المحافظات، وما بداخلها من تخصصات مطلوبة في سوق العمل بالداخل والخارج، وقرر أن يهاجمها بأن ليس بداخلها كليات تدرس اللغة العربية!!
قال الأستاذ عبد الله سرور – وله مني كل تقدير واحترام – نصاً: «وزير التعليم العالي فرحان ومتهلل بالجامعات الاهلية الجديدة ويستعرض تخصصاتها العلمية بانشراح وايضا الطفل المعجزة الواد شعبان بتاع الوزير ينشر علي وسائل التواصل عن فتح باب التقدم إليها ..والعجيب ان هذه الجامعات الاهلية الجديدة وجميع فروع الجامعات المتعاونة والمتحالفة معها ليس فيها جميعا اي مجال لدراسة اللغة العربية التي هي اللغة الرسمية للدولة بما يمثله ذلك من ازدراء واستكبار مقيت ..اليست هذه اعجوبة جامعية».
قبل أن أتطرق إلى مدى جدوى وجود كلية تدرس اللغة العربية في تلك الجامعات، استوقفني بشكلٍ كاد يقتلني ضحكاً، ما وقع فيه الأستاذ الجامعي المنتصب دفاعاً عن اللغة العربية، من أخطاءٍ لغويةٍ لا تمر على طالبٍ أكمل دراسته بالصف السادس الابتدائي، وعرف على يد «الميس» الفرق بين همزة الوصل وهمزة القطع، والفرق بين الألف «اللينة» والياء وكذلك التاء والهاء.
في منشورٍ من خمس سطور وقع الرجل فيما يزيد عن عشرة أخطاء، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن الرجل ليس في خصومة مع وزير التعليم العالي فقط، بل في خصومة أشد مع «الهمزة»، التي تجاهل وضعها في: « الاهلية، وايضا، ان، اي، اعجوبة».
أخطاء الأستاذ الجامعي اللغوية في منشور يطالب فيه بتدريس اللغة العربية بالجامعات الأهلية، ذكرتني في حقيقة الأمر بنموذج المثقف «المتربل» المتحرش في السر، وهو في العلن يملأ الدنيا ضجيجاً وصراخاً بضرورة وضع قوانين رادعة للتحرش، ظناً منه أنه بذلك لن يكتشف أحد فعلته الخسيسة وسيكون آخر المشكوك في أمرهم، وأنه أبداً لن يطوله ذلك القانون الذي يطالب بتغليظه.
يبقى السؤال الذي كتبه عدد من متابعي الدكتور عبد الله سرور وتهرب منه بشكلٍ مخجل: ما الحاجة الملحة لأن تدرس تلك الجامعات اللغة العربية؟، هل كليات دار العلوم والتربية والآداب وكافة كليات جامعة الأزهر باتت مكتظة عن آخرها، والطلاب وأولياء الأمور يصرخون من قلة تلك الكليات وبتنا في حاجة ضرورية لاستحداث كليات جديدة تدرس اللغة؟
وهل نحن الآن في حاجة لاستنساخ وقص ولصق كليات قديمة في مباني حديثة، دون النظر لحاجة السوق والعمل، وحاجة مصر لعقول مفكرة في مجالات محددة، ستقود في المستقبل سفينة الوطن بجوار المدرسين وخبراء اللغة من الكليات المذكورة أعلاه؟
يجب أن يسأل الأستاذ عبد الله سرور نفسه بعد أن يخلع عباءة عبد الله سرور المترصد للدكتور الوزير والناقم على أي شيء وكل شيء، ما الأولى أن أخصص كلية لتدريس اللغة العربية في تلك الجامعات، وأخصص لها طاقم تدريس وقاعات ومكاتب ونفقات تقدر بالملايين، ويدخلها عشرة طلاب، أم أن أخصص هذه الطاقة كلها لتخصص يحتاجه سوق العمل، وتحتاجه مصر في المستقبل القريب، ويجذب المزيد من الطلاب الحالمين بكيانات علمية تحتضنهم وتدربهم وتضعهم على بداية طريق تحقيق حلمهم الكبير؟!
أتفهم هجوم الدكتور عبد الله سرور على الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي، من باب أن الرجل قد يكون حرم من ترقية أو كان متعشماً في منصب ولم يلتفت الوزير له فأراد لفت انتباهه أو ما إلى ذلك في نفس ابن سرور، ولكن لم أتفهم هجوم الرجل على الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، فلا رجل زميل له ولا يملك له ترقيةً ولا سلطاناً يحرمه من منصب، ولكن سريعاً تذكرت أنه منهج «خالتي فرنسا» في جر الشكل الذي يتبعه الدكتور سرور.
الغريب في هجوم الدكتور عبد الله سرور على الدكتور محمد عثمان الخشت أنه متأثر بالألفاظ والأوصاف التي تستخدمها لجان وقنوات الجماعة الإرهابية في تشويه الرموز المصرية بل واستخدمتها في تشويه الدكتور الخشت بعينه قبل ذلك.
لا نقول هنا – حاشا لله - إن الدكتور سرور عضواً ولا محباً للجماعة الإرهابية، ولكن ربما يكون هناك من نصب له فخاً ووقع الرجل فيه، حين راح يصف الدكتور الخشت بوصف لا يليق بعامل بسيط في الجامعة، وليس برئيس أكبر جامعة مصرية، فقال عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان أعاجيب جامعية (11) : «عاصفة الغضب والهجوم اللاذع على شخص رئيس جامعة القاهرة بسبب الفيديو المتداول له وقد ظهر وتحدث فيه بما لا يليق برئيس جامعة محترم، تركزت فيه التعليقات على الجوانب السالبة في أقوال وحركات الرجل، وهذا عجيب لأن في الأمر جوانب إيجابية يجب الإلتفات إليها منها:
(1) لقد أظهر الفيديو للرجل مواهب وقدرات لم تكن معلومة عنه وهى بالتأكيد كانت من عناصر تفضيله واختياره لهذه الوظيفة ، وهو ما سيلتفت له كل المرشحين للوظائف القيادية
. (2) قدرة الرجل على الإفادة من التراث الشعبى وبعثه بعد طول غياب ، ذلك أن شخصية شاويش المسرح تكاد تغيب عن أفراحنا بسبب التقدم التقنى وانتشار الدى جى ولذا فإن للرجل فضلا فى بعث هذه الشخصية
. (3) إن التطلع المقيت والحرص على خلع برقع الحياء والقيم والتقاليد وصولا إلى منصب براق كل ذلك يمكن أن يتلاعب بعقل الأستاذ ويلقى به فى غث النفايات».
لك أن تتخيل أن مدرساً جامعياً بكلية «التربية» يصف زميل له يترأس واحدة من أعرق جامعات المنطقة بـ«شاويش الفرح»، ويزيد من «الطين بلة» فيتهمه بخلع برقع الحياء والقيم والتقاليد، من أجل الوصول إلى المنصب، متناسياً أن الأستاذ «الخشت» يلقب بفيلسوف العصر.
الطريف في أمر الدكتور عبد الله سرور، الذي يدون ما يدونه على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» تحت عنوان «عجائب جامعية»، أنه بين الحين والآخر يشعر بأن درجة إيذائه لزملائه تخطت الحدود المقبولة، وأن كثيراً من متابعيه ينفرون منه ومن غلظة أحاديثه، فيكتب تحت تأثير نوبات النفس اللوامة منشورات يحاول من خلالها الإيهام بأنه لا يقصد التجريح لأي من زملائه كذلك الذي كتب فيه يقول: « هام جدا.. السادة الزملاء..ارجو التكرم بالالتفات الي ان ما اكتبه علي صفحتي تحت عنوان اعاجيب جامعية إنما هو صياغة ادبية توحي وتشير وتوميء ولا تحدد او تقدح شخصا او اسما وليست نتيجة العداوة او خصومة وانما في الاغلب تعالج ظاهرة او شانا سالبا ..كما ارجو من السادة المعلقين عدم تحديد اشخاص بعينهم او استخدام المنشور لتصفية حسابات شخصية. ولكم تحياتي».
وبغض النظر عن الأخطاء اللغوية أيضاً في ذلك المنشور، ستجد أن الدكتور سرور بعدما أفاق من نوبات النفس اللوامة، هاجم صراحة وزير التعليم العالي بشكل لا يمكن أن يصدر أبداً من أستاذ جامعي تجاه زميل له، بغض النظر عن مناصب كل منهما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة