اعتاد أن يجلس لشواء الذرة بنفسه لأحفاده، ويروى لهم عن حكاياته مع هذه القطعة الزراعية، وأنهم ما زالوا يأكلون من خيرها الذين تربوا منها، طيلة حياته، متأملا حياته من الطفولة حتى أصبح رجلا عجوزا يلتف حوله أحفاده وأولاده، إنه الجد العجوز "نور على عبده" الذى يبلغ من العمر 95 عاما، وهو فلاح بسيط من محافظة الشرقية، تحمل خطوط وجهه قصة وحكاية عاصرها مع كل حقبه تاريخية على مدار ما يقرب من زمان.
وجلسنا بجوار "الجد نور" الذى يعيش فى منزله البسيط على الأرض وبجوارنا جهاز راديو قديم قائلا: "إن هذا الجهاز شريك عمرى منذ أن اشتريته فى فترة الستينيات وهو لا يفارقنى، أسمع عليه نشرات الأخبار وأعرف الدنيا كلها من خلاله، فأنا عاصرت كل حكام مصر خلال هذا القرن، كل رئيس منهم عمل مصر وأخلص لها ما عدا مرسى كان خائن، ولكن الزعيم جمال عبدالناصر والسيسى لهما مكانة خاصة فى قلبي، الأول أعاد لى أرضى الزراعية المنهوبة فى وصية الباشا والثانى حافظ على مصر من الأخونة ونجح فى إعادة بناء البلد ليروى بيت شعرى تعبيرا عن حبه لبلده".
وقال الجد: "يا دار الإمارة، شوفت النور على بابك، وساعة العصر شوفت النصر على بابك، يحيوا الجيش على بابك، فيكى الأبطال يحيوا الضيف على بابك ويحضنوكى".
وعن حكايته قال أحد أبناء كفر عبد العزيز بالزقازيق، إن هذا الكفر على امتداد أطراف الزقازيق وصولا إلى ههيا، وكانت أرضى زراعية يفرض سيطرته عليها أحد البشوات الإقطاعيين، وكانت أرض والده عن جده مستولى عليها ضمن وسيه الباشا، فى فترة شبابه بأواخر الأربعنيات من القرن الماضي، موضحا أنه عانى الكثير من ضياع حقوقه وعرقه فى أرضى للاستيلاء نظير الوسيه على محصول الأرض كاملا غصبا، وحرمانه من أى حبه قمح قام بزراعتها.
وخلال الحديث استرجع الجد ذاكرته التى مازالت قوية، قائلا: فى ليلة حصدت القمح وجاءني خفراء الوسية وأخذوا المحصول فبكيت قهرا على حقى وحرمانى من حقي، وقررت أن أترك الأرض فحضنتنى أمى وقالت: (أوعى تسيب أرضك وأرض أجدادك إن كان على القمح هنعوضه).
وأضاف الجد، عندما صدر قانون الإصلاح الزراعى بكيت من فرحة تملكى للأرض وقت إعلان الزعيم عبدالناصر، وعن هذه الفترة، يؤكد أن الحياة تغيرت وأصبح يمتلك قطعة أرض أخرى أقام عليها منزله وتزوج وأنجب 6 أطفال، وذلك بأقل القليل: "كانت كل حاجة متوفرة ورخيصة وكان القرشين صاغ ممكن تأكل طقة".
وأكمل الجد، أن أسود يوم فى حياتى وبكيت فيه بحرقة كان يوم وفاة عبد الناصر، فور علمى من الراديو انهمرت فى البكاء والصراخ وهرعت أنا وأهالى الكفر فى سيارة للمشاركة فى جنازته، وأقمنا عزاء فى الجمعية الزراعية له، وظللت شهرين فى حالة اكتئاب".
وأضاف، مرت السنوات وأنا أحافظ على تلك القطعة الغالية وأكل من خيرها أنا وأولادى وأحفادى والذين يقارب عددهم الأربعين، وبالرغم من ضيق الحال وحاجتى لمنزل بعد تصدع هذا المنزل، وتحسين أحوال أبنائي، إلا أننى أرفض التفريط فى متر واحد منها، فهى سندى وظهري، فمازالت أستقيظ فى الفجر وأتوجه بصحبة نجلى الكبير رمضان لمباشرة الأرض والوقوف عن محصول كل زراعة.
وبسؤاله بعد هذا العمر، ما الذى تحلم به وتريد تحقيقه، لتلمع عين الجد العجوز، أنا بخير الحمد لله ولا يوجد أمنية فى حياتى غير زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاتى.
الجد نور من الشرقية
الجد نور من الشرقية
الجد نور من الشرقية بجواره الراديو الخاص به من الستينات
الجد نور من الشرقية بجواره الراديو الخاص به
الجد نور من الشرقية بصحبة أولاده واحفاده
الجد نور من الشرقية بصحبة أولاده واحفاده
الجد نور من الشرقية بصحبة أولاده واحفاده
الجد نور من الشرقية
الجد نور من الشرقية
الجد نور من الشرقية بجواره الراديو الخاص به من الستينات
الجد نور من الشرقية بجواره الراديو الخاص به من الستينات
الجد نور من الشرقية بصحبة أولاده واحفاده
الجد نور من الشرقية بصحبة أولاده واحفاده
الجد نور من الشرقية بصحبة أولاده واحفاده
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة