فى أيام كهذه منذ 15 عامًا، هلع اللبنانيون على وقع انفجار كبير على الكورنيش لشاحنة ملغومة استهدفت موكب رفيق الحريرى، رئيس وزراء لبنان السابق، وخلفت حفرة هائلة ودمرت واجهات المباني المحيطة بالمنطقة، اليوم يتكرر مشهد مماثل للانفجار لكن أبشع وأكثر دمارًا، كما الانفجار فى مرفأ بيروت وسط العاصمة اللبنانية، مساء الثلاثاء، والذى نتج عنه أكثر من 700 مصاب وما يزيد على 50 قتيلا وأضرار مادية كبيرة.
ويبدو أن كل أو معظم سكان لبنان، سمعوا أو شعروا بالانفجار -الذى انتشرت مقاطع فيديو له من زوايا عديدة على مواقع التواصل- بسبب قوته الشديدة، فى ظل تدهور الأحوال السياسية والاقتصادية في لبنان والتى أدت إلى اندلاع مظاهرات تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية، فضلاً عن تداعيات فيروس كورونا.
يأتى الانفجار الضخم الذى قال عنه مدير عام الأمن اللبناني اللواء عباس إبراهيم أنه "وقع فى مخزن لمواد شديدة الانفجار مصادرة منذ سنوات"، قبل يومين من إصدار المحكمة المكلفة بقضية رفيق الحريرى رئيس الوزراء اللبنانى السابق، حكمها على 4 متهمين، يوم الجمعة المقبل، وذلك بعد مرور 15 عامًا على مقتل رفيق الحريري بتفجير شاحنة ملغومة في بيروت.
وعلى اعتبار أن الحادث قضاء وقدر ليس فيه شبهة سياسية أو جنائية، إلا أن قضية رفيق الحريرى ما زالت تطوراتها تهز لبنان وسوريا أيضًا على اعتبار أن المتهمين باغتيال "الحريرى" ربما كان دافعهم -باعتبارهم من أنصار حزب الله وفقا للتحقيقات- الرغبة في استمرار الدور السوري في لبنان وهي سياسة كان الحريري يتصدى لها. لذلك قضية اغتيال رفيق الحريرى تمثل حقبة زمنية مهمة وحساسة فى تاريخ لبنان وسوريا ما زالت تطوراتها تهم الكثيرين.
وأشعل اغتيال الحريري "ثورة الأرز" ونظمت احتجاجات شعبية على الوجود السوري في لبنان، وبالفعل تم إنهاء سوريا لوجودها العسكرى في لبنان بعد أن ظل قائمًا على مدى 29 عامًا.
وفي الوقت الذى رجحت فيه وسائل إعلام لبنانية أن الانفجار وقع كمحاولة لاغتيال سعد الحريرى رئيس وزراء لبنان السابق ونجل رفيق الحريرى، خاصة أن الانفجار وقع بالقرب من منزله، ويأتى قبل يومين من الحكم بقضية والده، إلا أنه حتى الآن لم تقدم جهة لبنانية رسمية أى رواية أخرى غير "انفجار ناتج عن مفرقعات نارية محجوز عليها".
يأتى ذلك مع وجود أزمة سياسية واقتصادية لبنانية أنهكت الدولة ودفعت الشعب للخروج فى مظاهرات متهمين النخب السياسية بالفساد وأيضًا استيائهم من الاستيلاء على السلطة من جانب فصيل معين.
وعلى الرغم من تشكيل حكومة لبنانية مؤخرًا برئاسة حسان دياب، إلا أن الأزمات ما زالت تواجه لبنان بعنف ما أدى لانهيار الوضع الاقتصادى فى ظل انهيار سعر صرف الدولار وتراجع الخدمات المقدمة للمواطنين كقطاع الكهرباء، وأيضًا تداعيات فيروس كورونا.
وتعرض حسان دياب لانتقادات عدة كان آخرها ما وصفته الصحافة اللبنانية بـ"سوء تصرف" مع وزير الخارجية الفرنسى خلال زيارته بيروت الشهر الماضى، خاصة أن الأخير كان من المدافعين عن إعطاء فرصة لحكومة "دياب" كى تثبت نفسها، وبعد هذه الزيارة بأيام تقدم وزير الخارجية السابق ناصيف حتى باستقالته من الحكومة معللاً ذلك بأن الدولة تتجه نحو الفشل.
جدير بالذكر أن رفيق الحريرى، شغل منصب رئيس وزراء لبنان خمس مرات فى أعقاب الحرب الأهلية (1975-1990)، وهو ملياردير كون ثروته من العمل بقطاع الإنشاءات فى السعودية وكان السياسى السنى المهيمن فى النظام الطائفى فى لبنان.
فى السنوات التى سبقت الاغتيال، كان الحريرى طرفًا فى خلاف حول تمديد فترة الرئيس المؤيد لسوريا إميل لحود. وتحت ضغط سورى تم تعديل الدستور للسماح بتمديد فترته ثلاث سنوات، وعارض الحريرى هذه الخطوة لكنه وقع على التعديل فى نهاية المطاف.
وفى أكتوبر، استقال الحريرى من رئاسة الوزراء، وتزامن اضطراب الوضع فى لبنان مع اضطرابات فى المنطقة حيث انقلب ميزان القوى رأسًا على عقب بالاجتياح الذى قادته الولايات المتحدة للعراق. وهيأ ذلك الساحة لتصاعد المنافسة بين إيران الشيعية وحلفائها فى جانب بمن فيهم سوريا وبين دول الخليج السنية المتحالفة مع الولايات المتحدة فى الجانب الآخر.
وبدأ التحقيق الدولى فى قضية اغتيال رفيق الحريرى فى يونيو 2005، وتولى رئاسته فى البداية المدعى الألمانى ديتليف ميليس، وبحلول أكتوبر أصدر تقريرًا يورط مسئولين سوريين ولبنانيين كبارا، ودأبت سوريا على نفى أى دور لها فى عملية الاغتيال.
وفى أغسطس، تم القبض على أربعة من كبار القيادات العسكرية فى لبنان ممن كانوا من أركان النظام الذى هيمنت عليه سوريا وذلك بناء على طلب ميليس.
وتم الإفراج عنهم بعد أربع سنوات دون توجيه اتهام لهم بعد أن قالت المحكمة إنه لا توجد أدلة كافية لتوجيه الاتهام إليهم. ودأب الأربعة على نفى أى دور لهم.
وتم تغيير ميليس فى أوائل 2006 وسار التحقيق ببطء. واستقال عدد من كبار الشخصيات، وسحب سعد الحريرى اتهامه لسوريا بأنها وراء مقتل والده فى 2010.
وفى 2011، أعلنت المحكمة أسماء أربعة من أعضاء حزب الله مطلوبين فى عملية الاغتيال، ورفض حزب الله الاتهامات، وقال إنها لا تتضمن أى دليل، ووصف الاتهامات بأنها ملفقة.