وائل السمري يكتب: معركة الخشت والطيب مازالت مستمرة.. رئيس جامعة القاهرة ينتقد مذهب الأزهر مؤكدا: الدول "الأشعرية" تأخرت في إغلاق المساجد بعد كورونا لأنها لا تؤمن بأن العدوى سبب المرض والمشكلة فى تيارات التطرف

الخميس، 06 أغسطس 2020 06:45 م
وائل السمري يكتب: معركة الخشت والطيب مازالت مستمرة.. رئيس جامعة القاهرة ينتقد مذهب الأزهر مؤكدا: الدول "الأشعرية" تأخرت في إغلاق المساجد بعد كورونا لأنها لا تؤمن بأن العدوى سبب المرض والمشكلة فى تيارات التطرف د. عثمان الخشت ومساجد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فيما يمكن أن نعتبره دخولا مباشرا في مواجهة علمية راقية، انتقد الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، المذهب الأشعري الذي تتبعه مؤسسة الأزهر الشريف، مؤكدا في مقال نشرته جريدة الأهرام، أن اتباع هذا المذهب شكل ما يمكن أن نعتبره ستارا على العقل، لأنه لا يؤمن بقاعدة السبب والنتيجة، وبالتالي لم يعترف بأن سبب انتقال العدوى من شخص مصاب بفيروس كوفيد 19 –كورونا- إلى شخص سليم نتيجة التعامل المباشر، ولهذا تأخرت الدول التي تتبع الذهب الأشعري مثل مصر في إغلاق المساجد، لأنها تتبع هذا المذهب، بينما اتخذت السعودية قرارا شجاعا بغلق الكعبة مبكرا لأنها لا تتبع هذا المذهب.
 
وأكد الخشت في مقاله على أهمية تطوير علوم الدين، ودراسة الصلة بين الفقه الأصغر (علم الفقه) وأصوله من جهة، والفقه الأكبر (علم أصول الدين) من جهة أخرى، ومحاولة تعميق العلاقة بين تلك العلوم الثلاثة (علم الفقه وعلم أصول الفقه وعلم أصول الدين)؛ حيث من الخطأ الفهم التقليدي لها كعلوم منعزلة عن بعضها البعض خاصة وأن كثيرا من الأحكام الفقهية الخلافية، يرجع السبب الحقيقي فيها إلى التصورات الاعتقادية التي يحملها الفقيه في خلفيته المعرفية وفي رؤيته للعالم، وهي تؤثر على طريقته في استنباط الحكم الشرعي. وربما لا يكون الفقيه على وعي مباشر بهذا، بل لا تكاد تجد هذه الصلة واضحة في كتب كل علم على حدة، سواء علم الفقه أو علم أصول الدين. وذلك على الرغم من وضوحها في القرآن الكريم والسنة الصحيحة.
 
وأضاف الخشت أننا بحاجة إلى تجاوز علم أصول الدين المسمى بعلم الكلام، من أجل إعادة ضبط المعتقدات بردها إلى حدود القرآن الكريم والسنة المتواترة بعيدا عما دخلها بعد اكتمال الدين الخالص وتوقف الوحي الإلهي. وأكد على ضرورة تطوير علوم الدين وليس إحياء علوم الدين لأن الإحياء يعني دب الحياة فيها بشكل نقلي فحسب دون إعمال العقل، وأضاف الخشت لكن علوم الدين إنما هي (علوم بشرية) قابلة للنقد وقابلة للتطور والتطوير. وهي ليست دينا، بل اجتهادات بشرية في فهم الدين. وكثير من الفقهاء والمفسرين القدماء كانوا على وعي بهذا، لكن المشكلة تكمن في المتأخرين وفي تيارات التطرف القديمة والمتأخرة والحديثة.
 
وشدد الخشت على أهمية فتح النظر في الصلة بين علم الفقه وبين علم أصول الفقه مؤكدا أن هذه المراجعة ستكشف عن ضرورة إصلاح كثير من معتقدات الفرق العقائدية المتناحرة بردها إلى المعتقدات المنضبطة من القرآن والسنة الصحيحة المتواترة. وسوف يترتب على إصلاح المعتقدات -بلا شك- تغيير طريقة تحديد الأحكام الشرعية. 
 
وضرب الخشت مثالا لتوضيح هذه الفكرة بجائحة كورونا وكيفية تعامل الدول معها وفقا لما تتبعه من مذاهب قائلا إن الدول التي تتبع مؤسساتها الدينية العقيدة الأشعرية التي تنكر العلاقة الضرورية بين الأسباب والمسببات)، تأخرت في تنفيذ حكم عدم جواز صلاة الجمعة والجماعة منعا للعدوى؛ ولم تغلق المساجد إلا بعد التعرض لنقد شديد من الرأي العام. والغريب أنها عندما فعلت هذا تحدثت عن (جواز) الإغلاق، ولم تتحدث عن (وجوب) الإغلاق حرصا على حياة الناس وسلامتهم من عدوى قد تكون مميتة. لكن البلدان الأخرى التي تغيب منها مثل تلك المعتقدات الأشعرية (المنكرة للعلاقة الضرورية بين الأسباب والمسببات)، كانت مؤسساتها الدينية حاسمة في التبكير بالمنع وجوبا للحفاظ على أرواح الناس وسلامتهم؛ خاصة أنها تدرك قيام التشريع على التعليل والغائية والمقاصد. ومن أهم مقاصد التشريع الحفاظ على الحياة، والسلامة من الأمراض، والوقاية من كل ما قد يضر بالإنسان مما هو مذكور تفصيلا في الكليات الخمس، وهِيَ حفظ: الحياة، والدِّينُ، وَالْعَقْلُ، وَالنَّسْلُ، وَالْمَالُ. ومن هنا كانت الشجاعة في غلق الكعبة المشرفة حفاظا على أرواح الناس عند ذروة تفشي كورونا المستجد. وهذا في لب المقصد الذي قام عليه الدين الخالص. وهذا يعكس أيضا الفهم الصحيح للعلاقة الضرورية بين الأسباب والمسببات.
 
واستطرد الخشت إن الذين لم يتبينوا خطورة هذا، ورفضوا في البداية، وتأخروا، أو لم ينفذوا الإغلاق مبكرا على الرغم من وصول الجائحة إلى ذروتها، يمكن فهم موقفهم هذا في ضوء المعتقدات الأشعرية؛ لأنها تعتقد في عدم الارتباط الضروري بين الأسباب والمسببات. إنهم حسب إنكارهم للعلاقة الضرورية بين الأسباب والمسببات في أصول فرقتهم الاعتقادية، لم يتصورا في البداية خطورة تجمع الناس في إحداث العدوى، وكأنهم كانوا يظنون أنه يمكن أن تصلي في جماعة ولا تتعرض للعدوى من حاملي الفيروس. بل ويمكن أيضا المزايدة على الدين الخالص والمحكم، فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام وجه إلى الصلاة في البيوت أو الرحال عند المطر والطين والزلق، فإنهم يزايدون في الأسباب الأقوى التي تتعلق بسلامة الناس وحياتهم والتي توجب منع صلاة الجمعة والجماعة في المساجد!
وبين الخشت فداحة هذا الأمر قائلا: للأسف لا يزال يحكم عقليتهم – يقصد عقلية من يتبعون المذهب الأشعري- في عصر العلم الطبيعي وقوانينه، إنكار العلاقة الضرورية بين الأسباب والمسببات، بل ويعدون هذا الإنكار من أصول العقائد. وذهب المتأخرون من الأشاعرة إلى تكفير المخالف لهم في هذه المسألة. وهو أمر غريب من أوله إلى منتهاه، فمن الغريب أن يجعلوا تلك المسألة الخلافية من أصول العقائد، مع أنها ليست ركنا من أركان الإيمان التي ذكرها القرآن الكريم وبينتها السنة الصحيحة. ومن الغريب أيضا أن يندفعوا في تكفير المخالفين لهم فيها، مع أن آيات الوحي واضحة في إثبات العلاقة الضرورية بين الأسباب والمسببات سواء في عالم الخلق أو عالم التشريع
 
أما في مقاله الثاني الذي يواصل فيه ضرب الأمثلة التطبيقية على فكرة عدم إيمان مذهب الأشاعرة بمبدأ السبب والنتيجة، فقال الدكتور عثمان الخشت إن العلوم الأساسية والهندسية، وعلوم الطب والحياة والأرض، وعلوم الرياضيات والحاسوب، تقوم على العلاقة الضرورية بين الأسباب والمسببات. وبدون هذا لا يمكن أن تتحدث عن قوانين علمية ولا عن تقدم العلوم، وكذلك الحال في علم أصول الدين المستند إلى الكتاب والسنة الصحيحة على السببية والتعليل والمقاصد والغائية. وبالمثل تقوم الأحكام الشرعية في الفقه اللصيق بالوحي على السببية والتعليل والمقاصد، وهناك حكمة وغاية من وراء الحكم الشرعي.  وضرب الخشت العديد من الأمثلة على هذا التعانق اللازم موضحا أن للأشاعرة رأي آخر في ذلك! فهم ينكرون العلاقة الضرورية بين الأسباب والمسببات في علم أصول الدين ويعدون السبب غير فاعل بنفسه، وأن المسبب حدث (عنده) وليس (به)، على عكس صريح القرآن الكريم. كما ينكرونها في الفقه وأصوله؛ فتعريف السبب في علم أصول الفقه حسب اللغة هو: "كل ما يتوصل به إلى مقصود ما"، وحسب الاصطلاح: " ما يلزم من وجوده الوجود، ويلزم من عدمه العدم لذاته ".؟.
 
وفي معرض استشهاده على هذا الرأي ذكر الدكتور عثمان الخشت رأي الإمام الغزالي الذي يقول فيه " وَاعْلَمْ أَنَّ اسْمَ السَّبَبِ مُشْتَرَكٌ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، وَأَصْلُ اشْتِقَاقه مِنْ الطَّرِيقِ وَمِنْ الْحَبْلِ الَّذِي بِهِ يُنْزَحُ الْمَاءُ مِنْ الْبِئْرِ. وَحَدُّهُ مَا يَحْصُلُ الشَّيْءُ عِنْدَهُ لَا بِهِ" (المستصفى، طبعة دار الكتب العلمية، 1993، ص: 75). قائلا: لاحظ أن الغزالي الأشعري يعد السبب هو ما يحصل الشيء (عنده) لا (به)، فهو ينكر أن السبب هو المنتج، ويعده مجرد مناسبة أو أمارة أو علامة مظهرة أو ظرف مصاحب. ويضيف الغزالي :" تَسْمِيَتُهُمْ الْمُوجِبَ سَبَبًا فَيَكُونُ السَّبَبُ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ، وَهَذَا أَبْعَدُ الْوُجُوهِ عَنْ وَضْعِ اللِّسَانِ، فَإِنَّ السَّبَبَ فِي الْوَضْعِ عِبَارَةٌ عَمَّا يَحْصُلُ الْحُكْمُ عِنْدَهُ لَا بِهِ؛ وَلَكِنَّ هَذَا يَحْسُنُ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ الْحُكْمَ لِذَاتِهَا بَلْ بِإِيجَابِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَلِنَصْبِهِ هَذِهِ الْأَسْبَابَ عَلَامَاتٍ لِإِظْهَارِ الْحُكْمِ، فَالْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ فِي مَعْنَى الْعَلَامَاتِ الْمُظْهَرَةِ فَشَابَهَتْ مَا يَحْصُلُ الْحُكْمُ عِنْدَهُ"  ويشرح الخشت قائلا: وعلى سبيل المثال في علم الفقه لا يعد الإسكار عند الأشاعرة علة تحريم الخمر وإنما هو علامة على الحكم ومجرد مناسبة لإظهاره. وبالتوازي في الطبيعة -في معتقدهم- أن الله تعالى لا يروي الزرع بالماء، والماء ليس سببا لنمو الزرع بل مجرد مناسبة، الله يفعل (عندها) لا (بها). وهكذا فإن نفي السببية في الطبيعة في علم أصول الدين عند الأشاعرة ومن وافقهم، يوازي نفي السببية عندهم في علم الفقه وعلم أصول الفقه. وللحديث بقية".
 
وبعد هذين المقالين يعد الدكتور عثمان الخشت قراءه بأن "للحديث بقية" وهو ما يعني أن هناك مقالات أخرى سيعرض فيها رأيه في المذهب الأشعري – مذهب الأزهر الشريف- وعلاقته بآلية استخراج الأحكام الفقهية وأثر هذا في مسار حياتنا ومجتمعنا وهو ما يؤكد أن المعركة الفكرية التي دارت بين الدكتور عثمان الخشت والإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر ستتخذ أشكالا أخرى وربما ينتج الدكتور عثمان الخشت على أثرها أبحاثا أو كتبا، وهو ما يستدعي بالضرورة أن يقوم أحد الأزاهرة بالرد عليه، وهو ما يؤكد أننا سنرى في القريب العاجل فصولا أخرى من فصول هذه المعركة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة