فى جميع أنحاء أوروبا، من لوكسمبورج إلى كرواتيا، بدأت حالات الإصابة بفيروس كورونا فى الارتفاع فى البلدان التى تمكنت فى السابق من السيطرة على انتشار الوباء، مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا، حيث تم تسجيل زيادة كبيرة فى عدد المصابين بالوباء.
ويتردد معظم علماء الاوبئة فى تسمية هذه الزيادة فى الحالات بالموجة الثانية ، فى حجة منهم أنه من السابق لأوانه قول ما يحدث فى بعض الأماكن ، ويمكن أن تعزى الزيادة إلى إجراء المزيد من الفحوصات واكتشاف الحالات التى لا تظهر عليها أعراض،. ولكن في البلدان التي تواجه حالات تفشي جديدة خطيرة ، مثل بلجيكا ، كانت هناك زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين يدخلون العناية المركزة بعد اصابتهم بكورونا.
وقال الخبير الفرنسى، دومينيك كوستاليون، عالم الأوبئة والإحصاء الحيوى، إنه فى فرنسا ، منذ بداية وباء كورونا ، تم تأكيد 253.587 حالة إيجابية ، مما أدى إلى وفاة 30.544 شخصًا. في أواخر فبراير ، تحولت العدوى إلى وباء ، مما دفع الحكومة إلى إصدار قرار بإغلاق عام في 17 مارس. كسر هذا الإجراء الجذري سلاسل الانتقال، مما حد من تدفق الفيروس و"استئناف" الوباء.
ومع حلول فصل الصيف ، ازدادت الحالات الإيجابية مرة أخرى:وقال الخبير " منذ منتصف يوليو، شهدنا زيادة يومية في الحالات الإيجابية المؤكدة. تم اكتشاف 5429 حالة جديدة بين 25 و 26 أغسطس"،ويرجع السبب فى ذلك أنه فى البداية كانت الفحوصات تتم لمن يصاب بالعدوى بشكل واضح مع ظهور أعراض شديدة فقط أما الآن فلم يعد الأمر كذلك فالعدوى أصابت العديد وتم الكشف عن ذلك من خلال الاختبارات التى زادت فى الفترات الأخيرة، وكانت الحالات الحقيقية أعلى بكثير من العدد المسجل ، وتم اكتشاف حالة واحدة فقك من كل 10 حالات عرضية فى فرنسا بسبب برنامج الكشف المحدود والبطئ".
وأضاف الخبير "على الرغم من تحسن الوضع ، لا يزال من الصعب معرفة مدى التقليل من شأن الوباء. لكن هناك شىء واحد مؤكد: عدد الحالات يتزايد أكثر من عدد الاختبارات.
وأضاف الخبير أنه من الضرورى مراعاة أن كورونا ينتشر عبر القطيرات ، ولذلك فلابد من ارتداء الكمامات، وذلك بشكل خاص فى الأماكن المغلقة، أما فى الهواء الطلق، قد يكون الخطر أقل، ولكن يمكن أن تساعد التدابير الوقائية فى الحد من انتشار فيروس كورونا ، ولابد من عدم ارتداء الكمامة لدخول متجر وخلعه عند الخروج لأنه يمكن أن يكون مصدرا محتملا للتلوث".
وأكد الخبير أن مناعة الأشخاص فى مجتمع ينتشر فيه الفيروس سيستغرق وقتا، حيث أن من 60%-70% من الناس لابد أن يكونوا اصابوا بالعدوى لتطوير أجسام مضادة معادلة لتحقيق مناعة للجماعة، مضيفا "سيكون من الخطر السماح للفيروس الانتشار فى مجموعات معينة مثل الشباب، على امل تحقيق مناعة للقطيع بشكل أسرع، فإذا حدث ذلك فسوف يتأثر الآخرون تدريجيا، وذلك مثلما حدث فى فلوريدا، وفقا لصحيفة "البوبليكو" الإسبانية.
أثناء انتظار العلاج الفعال أو اللقاح ، فإن الطريقة الوحيدة لتجنب تفشي الوباء هي إدارة تداول الفيروس إلى مستوى مقبول ، من خلال الكشف على نطاق واسع وسريع ومتابعة المخالطين ، وكذلك الاحترام لتدابير التباعد الاجتماعي. ليس من السهل الحفاظ على هذا الرصيد ، لكنه الخيار الوحيد للأشهر القليلة القادمة حتى طرح لقاح أو علاج فعال".
وقالت ياسمينا بانوفسكا جريفيث ، باحثة بريطانية وأستاذ النمذجة الرياضية في جامعة كاليفورنيا، إنه منذ بداية الوباء ثبتت الاصابة ب 304.695 شخصًا في المملكة المتحدة بفيروس كورونا ، كما أن هناك أدلة على أنها عانت فترة أطول من الوفيات الزائدة عن أي بلد آخر أثناء الوباء، على الرغم من ظهور المرض من قبل في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا ، يبدو أنه في المملكة المتحدة كان أكثر تأثيرًا.
وللسيطرة على انتشار الفيروس ، فرضت الحكومة البريطانية إجراءات احتواء صارمة اعتبارًا من 23 مارس، نتيجة لهذه الإجراءات ، والقيود على الاتصالات الاجتماعية التي أدت إلى الإصابة بالعدوى ، بدأ عدد الحالات والاستشفاء والوفيات في الانخفاض في نهاية أبريل، وعلى عكس البلدان الأوروبية الأخرى ، التي كانت لفترة طويلة خارج الإغلاق في بداية الصيف ، لا تزال العديد من مناطق المملكة المتحدة تخضع لقيود فيروس كورونا اليوم، ومع الزيادة الأخيرة في عدد حالات كوفيد 19 وتفشي الأمراض المحلية ، تم تأجيل تخفيف إجراءات الإغلاق إلى 31 يوليو، علاوة على ذلك ، فرضت الحكومة استخدام الأقنعة في الأماكن المغلقة.
وترى جريفيث أنه للسيطرة على تفشى فيروس كورونا فى اوروبا فى الفترة المقبلة تفاديا لموجة ثانية وارتفاع آخر فى الاصابات، لابد من السيطرة على الطلاب والمدارس بشكل جيد، حيث أصبح الشباب هم الآن أداة تفشى العدوى بين الناس وهو ما سيعقد الوضع فى الفترات المقبلة حال عدم اتباع اجراءات مشددة، ولكن من السابق لآوانه تحديد السيناريوهات التى تواجه المملكة المتحدة.
وأضافت الباحثة البريطانية "ما يبدو أنه لا جدال فيه هو أن الموجة الثانية في المملكة المتحدة ستعني زيادة حادة في مقاييس الوباء ، مثل عدد الإصابات الجديدة ، ودخول المستشفى بسبب الوباء ، وأيضا ارتفاع الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا، وتجدر الإشارة إلى أن الأوبئة الأربعة الأخيرة - الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 ، والإنفلونزا الآسيوية 1957-1958 ، وإنفلونزا هونج كونج 1967-1968 ، وإنفلونزا الخنازير عام 2009 - تميزت على وجه التحديد بموجات إضافية ، مما يجعل هذا الخيار أقوى.
وحذرت الباحثة من تخفيف اجراءات الوقاية أو الحجر الصحى حيث ترى أن هذا سيؤدى الى "موجة كبيرة" يصعب السيطرة عليها، مضيفة "نحن بحاجة إلى فهم هذا الوضع بشكل أفضل قبل إعادة فتح المدارس ،و سيكون القيام بذلك هو الخطوة الأولى نحو إعادة فتح أوسع للمجتمع مما يسمح للآباء بالعودة إلى العمل والمجتمع بشكل عام للاندماج فى المزيد.
أما الخبير الإسبانى إجناثيو لوبيز جونى، استاذ علم الأحياء الدقيقة بجامعة نافارا، فقال إن "إسبانيا عانت من اسوأ لحظات تفشى الوباء بين مارس وبداية أبريل وتم تسجيل أكثر من 900 حالة وفاة يوميا بسبب كورونا، ونجحت بالفعل تدابير الحبس الصارم والعزل فى تقليل حالات الإصابة والوفيات، إلى ما لا يقل عن بضع مئات يوميا فى منتصف يونيو، إلا أن الوضع عاد ليثير القلق من جديد فى زيادة كبيرة للمصابين.
ويرى الخبير الإسبانى إن صعوبة تتبع البيانات ووجود معلومات دقيقة وتباينات غير مفهومة فى البيانات بين مناطق وآخرى أهم اسباب الانتشار لعدوى كورونا ولذلك فإن التوصل لمعلومات دقيقة وبيانات رقيمة محددة سيتجعل السيطرة على الفيروس أكثر سهولة.
وأضاف الخبير الإسبانى أنه ما يثير القلق الآن هو التطور للفيروس فى ظل الاستعداد لانخفاض درجات الحرارة ودخول فصل الشتاء، فالموجة الثانية ستكون أكثر فتكا فى أوبئة فيروس الانفلونزا الأخرى، وشدد على أهمية تعزيز المناعة فى الفترة المقبلة للاستعداد لفصل شتاء سيكون الأسوأ والأخطر فى حال عدم التوصل الى لقاح فعل ضد الوباء.