العبادات أبواب الصلاة باب، الصيام باب، جبر الخواطر باب، ولا نعرف من أى باب ندخل الجنة، والخاطر هو القلب، وعدم كسره خلق عظيم، وهو يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل، وأغلب أحكام الدين الإسلامى قائمة على جبر الخواطر، فما أجمل هذه العبادة وما أعظم أثرها، يقول الإمام سفيان الثوري: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم"، وما يعطيه جمالاً أن الجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسنى فهو "الجبار"، وهذا الاسم بمعناه الرائع يُطمئنُ القلبَ ويريحُ النفس فهو سُبْحَانَهُ "الذِى يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّة، والخَيبَة والفَشَلَ بالتوْفِيقِ والأمل، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَة جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ".
وقال تعالى: "وأمّا اليتيم فلا تقهر"، أى جبر خاطر لليتيم، ولم يرد رسول الله سائلاً قط بل كان يرشد الصحابة للحل ويدلهم على الطريق ويطيب خاطرهم، فجبر بخاطر ابن زعيم المنافقين عبدالله بن عبدالله بن أبى بن سلول عندما طلب منه أن يصلى على أبيه وفعل النبي، وجبر بخاطر أهل مكة عندما عفا عنهم. وعندما جاء فقراء المهاجرين مكسورى الخاطر وقالوا: يا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأجور، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، ويَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، ويَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أموالهِمْ، قَالَ: "أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ ما تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَة صَدَقَة، وكُلِّ تَكْبِيرَة صَدَقَة، وكُلِّ تَحْمِيدَة صَدَقَة، وكُلِّ تَهْلِيلَة صَدَقَة، وأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَة، ونَهْى عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَة، وفِى بُضْعِ أحدكمْ صَدَقَة"، وحتى الأطفال كان لهم من جبر الخاطر مع رسول الله نصيب، بل إنه (عليه الصلاة والسلام) جبر بخواطرنا نحن الذين نحبه ونشتاق إليه ونتمنى لو كنا إلى جانبه نذود عنه وننافح عن دعوته، فقد أَتَى الْمَقْبَرَة فَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ ووَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إخواننَا"، فقَالُوا له: أَوَلَسْنَا إخوانكَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "بل أنتمْ أصحابي، وإخواننَا لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ"، فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أمتكَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رجلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَة بَيْنَ ظَهْرَانَى خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟"، فَقَالُوا: بَلَى يا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ".
أما أكبر جبر للخواطر فهو ما طلبه رسولنا الكريم لأمته. وقد ورد أنَّ النبى رفعَ يديهِ وقال: "اللهمَّ! أمتى أمتي"، وبكى. فقال اللهُ عزَّ وجلَّ: يا جبريلُ! اذهب إلى محمدٍ - وربُّكَ أعلمُ - فسَلهُ ما يُبكيكَ؟ فأتاهُ جبريلُ (عليه السلام) فسَألهُ. فأخبرهُ رسولُ اللهِ بما قالَ. وهو أعلمُ. فقال اللهُ: يا جبريلُ! اذهبْ إلى محمدٍ فقلْ: إنَّا سنُرضيكَ فى أمتكَ ولا نَسُوءُكَ. وجَبَر الله خاطر نبينا الرحيم بشفاعته لنا.
اجبرنا يا جبار.