إذا ما تحدث أحد عن السير الذاتية ذكر اعترافات جان جاك روسو (1712 – 1678) وعنوانها "الاعترافات"، لا يستطيع أن يتجاوزها بحال من الأحوال أبدًا، وذلك لأهميتها سواء على مستوى الزمن، أو الصدق مع النفس، أو التطهر بالكتابة.
والكتاب يعد سيرة ذاتية يتحدث فيه "روسو" عن ثلاث وخمسين سنة من حياته، بدأ بتألفيه سنة 1765 وانتهى سنة 1769، ومع ذلك فإن الكتاب لم ينشر حتى 1782 أى بعد أربع سنوات من وفاته.
وقد لخص "روسو" فى كتابه "الاعترافات" معاناته فى الوحشة، والشعور بالاغتراب، والحنين إلى طبيعة إنسانية أكثر براءة، وأوفى صدقاً، ويعتبر الكتاب من روائع كتب السيرة، حيث بثَّ فيه روسو لواعج قلبه، ونداءات عقله إلى عالم خاص تقود فيه الحرية إلى الحقيقة.
ويتناول روسو فى "الاعترافات" حياته منذ مولده وحتى العام 1766، ويقول لنا فيه، إنه فرنسى الأصل ولد فى جنيف السويسرية وسط بيئة بروتستانتية، وماتت أمه يوم ولادته، فرعاه أبوه الساعاتى ذو المزاج الغريب، وكان الطفل ذا وعى مبكر، شديد الحساسية والكسل، وحين شب عن الطوق التقى براهب كاثوليكى فقال له إنه تواق لاعتناق الكاثوليكية، وبعد ذلك التقى بالسيدة دى فارن، التى أحبته ورعته وتقلبت علاقته معها طوال سنوات، ويصفها "روسو" بدقة وبوح مدهشين، وصار عشيقاً للسيدة مذ كان فى الحادية والعشرين من عمره، لكنه إذ توجه يوماً الى جرونوبل، التقى سيدة أخرى هى دى لارناج، فوقعت فى غرامه، وحين عاد إلى السيدة الأولى وجد أنها تخلت عنه، ومع ذلك استمر مقيماً عندها وبدأت اهتماماته الموسيقية التى لم تُقنع أحداً سوى جماعة الموسوعيين، حيث طلب منه ديديرو أن يكتب المواد الموسيقية للموسوعة، ثم وسّع من اهتماماته فراح يكتب فى فلسفة الفنون ووضع أوبرا، ثم كتب رسالة حول الموسيقى الفرنسية أعطى فيها الصدارة للموسيقى الإيطالية، قبل أن يشرع فى اهتماماته الفلسفية ويكتب فى "أصل التفاوت بين البشر".
إثر ذلك، عاد الى جنيف وإلى البروتستانتية مثيراً حنق الكاثوليكيين، وحين عاد لاحقاً إلى باريس، شعر أن عليه الآن ان يواصل رسالته الفلسفية والاجتماعية، فوضع تباعاً كتبه الثلاثة الشهيرة "ايلوئيز الجديدة" و"العقد الاجتماعى" و"إميل".
والكتابان الأخيران صودرا فور نشرهما (عام 1762)، بل إن "إميل" أحرقت نسخه علناً فيما كان روسو فى طريقه للهرب إلى بيرن وقد ازداد شعوره بأنه مطارَد ومضطهَد.
فى تلك الفترة بالذات، راح يستكمل كتابة آخر فصول "الاعترافات"، فيما راحت حياته تزداد تعقّداً، من ناحية بسبب علاقاته النسائية والاجتماعية المتتالية، ومن ناحية أخرى بسبب صراعاته مع أقرانه من المفكرين.
ويتألف النص من 12 كتاباً، نشرت على دفعتين: 6 كتب فى العام 1781، بعد ثلاثة أعوام من رحيل روسو بائساً مستوحشاً حزيناً، والباقى نشر فى العام 1788.