نتوقف مع كتاب "مراجعات الإسلاميين.. العودة إلى التطرف" الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث، ويعرض الكتاب مجموع الفرضيات التى ترصد المحدِّدات والسياقات العامة التى فرضت على عدد من القيادات والجماعات الإسلامية، طرح مراجعات تكتيكية فشلت فى نفى العنف، ويتصدى الكتاب للخلاصات المتسرعة، التى تظن أن الحركات والجماعات الإسلامية تريد مفارقة خيارات العنف، فعلاً أو مراجعة التوظيف السياسى للإسلام.
سعى الإسلاميون، بعد العام 2001 بشكل محدود، ثم 2011 بشكل أوسع، إلى تلميع صورتهم وإيهام الرأى العام أنهم أصحاب مشروعات حديثة تتماشى مع إيقاع العصر، والناظر فى الواقع يجد أنهم استغلوا الاضطرابات السياسية والأمنية لتمرير أجندتهم التى بقيت مدججة بالأيديولوجية الإسلاموية، وأن الحديث عن مراجعات، بالمعنى الإيجابي، تُجرى فى السجون أو خارجها، لا تؤثر فى القواعد الناظمة، للإيديولوجية العنيفة التى تنفجر حين الحاجة السياسية إلى العنف وإقصاء الآخر.
وإذا اعتبرنا أن ثمة تردد فى المشروع الإسلاموى من أجل إعلان القطيعة مع ماضيه بتبنيه «المراجعات النقدية»، فمرد هذا التردد كما توضح – إحدى دراسات الكتاب- يعود إلى مضاعفات ما بعد الانتماء، فمن الصعب على «إسلامى متطرف» أن يتحرر كلياً من السياج الدوغمائى الذى يحيط به، وإذا تمّ ذلك لا يحدث بشكل تلقائى ودون مضاعفات جانبية، فالكثير من الإسلاميين السابقين ومن رموز الجهادية السلفية أصبحوا من دعاة التنوير الإسلامي، لكنهم قد يعودون أدراجهم فى إعادة تبنى ما خرجوا منه.
سعى الكتاب إلى رصد مسلسل المراجعات التى قام بها "إسلاميون" بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، من أطراف السلفيين الجهاديين، وأظهر "ارتباط مسلك المراجعات بسياقات معينة، وظروف داخلية وخارجية، جعل من هذا المسلك، مجرد ردة فعل "ظرفية انفعالية"، غايتها احتواء الأزمة وتقديم حلول تبدو متسرعة، وهذا الأمر، لا يساعد على مأسسة وتثبيت خيار المراجعات، كمدخل أساسى واستراتيجى لمحاربة الأفكار والتصورات الدينية الخاطئة التى ينهل منها البعض مجموع معتقداته وأدبياته. إن النقد العميق والجذرى لأفكار الماضى وممارساته، لم يقابله على مستوى المراجعات وضع نسق فكرى وأيديولوجى جديد منقطع الصلة بالقديم، ليكون هو المحدد للتيارات الدينية فى الحاضر والمستقبل".
وإذا يعتبر تنظيم الإخوان المسلمين فى مصر "الجماعة الأم" للحركات الإسلامية، فهو منذ تأسيسه عام 1928 لم يجرِ أى قراءات نقدية لقوالبه النظرية، ولا يوجد لذلك استثناء، يخرج من البراغماتية السياسية لبعض منسوبيه. فتناول الكتاب الأسباب والعوامل التى تمنع "الجماعة" من القيام بتجارب التفكير الجدى باتجاه بناء نسق حزبى وفكرى جديد يتوب عن استغلال الرأسمال الدينى للمسلمين، وتوظيفه توظيفاً أحادياً للوصول إلى السلطة.
احتفى العديد من دارسى ظاهرة الإسلام السياسى بما أُطلق عليه "مراجعات الجماعة الإسلامية المصرية"، وقد برهنت الأحداث أنها غير قادرة على الانفصال عن الراديكالية وبناء رؤية مغايرة، تتخلى عن العنف الحركى أو معاداة تطور المجتمع والدولة.
عرف المغرب أنموذجاً متشدداً من الإسلام الحركي، درسه الكتاب، عبر مقولات بعض متشددى الجهادية وحجم تأثيرها وأطرها الأيديولوجية. حاولنا تفحص التحولات التى جرت فى الفكر السياسى الشيعى الحركى المعاصر، التى وصلت إلى ذروتها مع الخميني، والتى تندرج فى مرجعية حاكمية واحدة فتلتقى مع آراء أبى الأعلى المودودى وسيد قطب الذى يُنظر إليه بإجلال لدى الحركيين الشيعة.
تطرقت دراسة العدد إلى "الخطاب المتشدد فى الجزائر" الذى يناوئ خصومه من أرضية سنية مشتركة، باعتبار أن الفضاء السُنّى الجزائرى مركب ومتنوع ومنقسم على نفسه إلى أطياف وتوجهات ومرجعيات متنوعة. تضمن الكتاب قراءة وتعقيباً على كتاب "الإسلاميون التقدميون: التفكيك وإعادة التأسيس" لمعرفة المشروع الفكرى الذى جاء به هذا النمط من الحركيين دعاة التقدم فى تونس وصراعهم مع الإسلام السياسي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة