نسمع فى أيامنا هذه قصص لا يصدقها عقل، عن أم تقتل أبناءها، ونظن أن ذلك "بدعة" طرأت على زمننا، لكن يبدو أن التاريخ قد شاهد مثل هذه السلوكيات على مدى أيامه السابقة، لكن لأن التاريخ لا يسجل سوى قصص القصور وأمور الحكم، فإننا سنحكى عن تهمتين لامرأتين بأنهما قتلا أبناءهما، لكن الأمر يظل مجر اتهام، وليس لدينا ما يؤكده.
الخيزران وابنها الخليفة الهادى
أنجبت الخيزران ثلاثة أولاد: الأول موسى ومن المحتمل أنه ولد عام 764 ميلادية والثانى "هارون" ويكبره موسى بسنتين، أما الثالث "عيسى" فلا يعرف عنه الكثير.
ومن الواضح أن الخيزران كانت تميل إلى ابنها "هارون" أكثر من "الهادى" حتى أنه فى عام 162 هجرية انطلقت حملة كبرى لغزو الروم بقيادة هارون هذه الحملة من الواضح أن هدفها الأساسى كان تلميع وتصعيد هارون وكان ممن صحبه يحيى البرمكى.
وبعد موت "المهدى" بويع لابنه "موسى الهادى" فى اليوم الذى مات فيه المهدى، وهو مقيم بجرجان، يحارب أهل طبرستان، وكان حاجب المهدى هو "الفضل بن الربيع" وكان متآمرا خبيثا وخطرا على الوضع الجديد، فكان لا بد من قتله ليحل يحيى البرمكى محله فى الخلافة الجديدة، وفعلا وكما تقول الرواية فقد (كتب الهادى إلى الربيع كتاباً يتهدده بالقتل، وكتب إلى يحيى يشكره، ويأمره بأن يقوم بأمر الرشيد)، وتقول الرواية عنه (وفى هذه السنة أيضاً هلك الربيع).
بوصول الهادى للخلافة وقع فى خطأ شديد فقد فكر أن يعزل أخاه الرشيد ليعهد لابنه الطفل (جعفر)، وكالعادة أمر بتحقير الرشيد، وكالعادة أيضا تقرب القواد للخليفة بتأييده فيما يفعل . ولكن صمد يحيى بن خالد مدافعا عن حق الرشيد .
وكان الهادى شابا قوى البنية رشيق الحركة بحيث كان يقفز على الدابة وعليه درعان ثقيلان، وكان شجاعا مقداما مندفعا جسورا غيورا، لذا كان من المنتظر أن تفقد الخيزران فى خلافته نفوذها الذى تعودت عليه، إلا أن الطبرى فى " تاريخ الرسل والملوك "يذكر أن الهادى سمح باستمرار نفوذ أمه أربعة أشهر، وقال: وكانت الخيزران فى أول خلافة ابنها موسى الهادى تفتئت عليه فى أموره وتسلك به مسلك أبيه من قبله فى الاستبداد بالأمر والنهى، إلا أن الهادى ما لبث أن ثار على ذلك الوضع ولم يحتمله فقال لها، انه ليس من قدر النساء الاعتراض فى أمر الملك، وعليك بصلاتك وتسبيحك، إلا أن المواكب التى اعتادت الوقوف بباب الخيزران استمرت فى التوافد عليها، واستمر أصحاب الحاجات يطرقون بابها لتتوسط لهم بنفوذها، فلجأت الخيزران لابنها تكلمه فى قضاء بعض الأمور فرفض، (فقالت له: إنى ضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك، فغضب الهادى وقال: ويل له .. والله لا أقضيها له، فقالت: إذن والله لا أسألك حاجة أبدا، فقال : إذن والله لا أبالى، فقامت عنه غاضبة ولكنه استوقفها وصرخ فيها: والله لئن بلغنى أنه وقف أحد ببابك لأضربن عنقه ولأقبضن ماله، فمن شاء فليلزم ذلك، ما هذه المواكب التى تغدو وتروح إلى بابك فى كل يوم؟ أما لك مغزل يشغلك؟ أو مصحف يذكّرك أو بيت يصونك؟ ثم إياك وإياك أن فتحت بابك لمسلم أو ذمى" فانصرفت عنه وما تعلم كيف تسير، وقاطعته بعدها فلم تكلمه.
وتقول القصص، ومنها ما ذكره الطبرى، إن الهادى أرسل إلى أمه طعاما مسموما مع رسالة منه إليها تقول "انه استطاب ذلك الطعام فأحب أن تأكل أمه منه"، وكانت على وشك أن تأكل، لولا أن جاريتها، حذرتها، وجاءوا بكلب أكل من ذلك الطعام فتساقط لحمه ومات، ميتة بشعة بلا شك، لذلك تحركت الخيزران فدست بعض الجوارى فقتلن ابنها الهادى خنقا وهو نائم، وبعثت الخيزران إلى يحيى بن خالد ليتولى عقد الخلافة للرشيد فى نفس الليلة.
مات "الهادى" شابا فى الثالثة والعشرين من عمره، سنة 170 هجرية، بعد خلافة قصيرة بلغت سنة واحدة وبضعة أشهر.
ولم تعش الخيزران كثيرا بعد "الهادى" فقد ماتت ليلة الجمعة لثلاث بقين من جمادى الآخرة عام 173هـجرية، وخرج الخليفة هارون الرشيد خلف جنازتها وعليه جبة وطيلسان، قد شد به فى وسطه، وهو آخذ بقائمة السرير، حافياً يمشى فى الطين، وصلى عليها ونزل فى قبرها، ودفنت فى الأعظمية فى بغداد فى المقبرة التى سميت باسمها مقبرة الخيزران.
الإمبراطورة الأرملة
استطاعت الإمبراطورة الأرملة تسى شى السيطرة على السلطة فى الصين لفترة طويلة قاربت الخمسين عاما، فمن هى هذه الإمبراطورة التى ولدت عالم 1835م ولم تظهر أى علامات واضحة للعظمة؟
هذه الفتاة قدمتها عائلتها وهى فى الـ 16 من عمرها لتكون بمثابة محظية للإمبراطور الجديد المتوج شيان فنج.
وقد أنجبت الابن الوحيد الباقى على قيد الحياة للإمبراطور، وقد حكم الإمبراطور شيان فنج خلال فترة مضطربة فى التاريخ الصينى، وتسببت مجاعة واسعة النطاق فى تمرد بعض المقاطعات الجنوبية، بينما غزت التهديدات الدولية – بريطانيا وفرنسا – الصين ، وبدأت حرب الأفيون الثانية.
وفى مواجهة كل هذا الاضطراب توفى الإمبراطور شيان فنج فى عام 1861م عن عمر يناهز 29 عامًا، مما ترك ابن تسي شى البالغ من العمر خمس سنوات وريثًا إمبراطوريًا، ومع العلم أن الإمبراطور القادم كان مجرد طفل، اختار شيان فنج ثمانية رجال لتشكيل مجلس للقادة للحكم نيابة عن ابنه حتى يبلغ سن الرشد.
ورأت تسي شى هذا الانتقال غير المستقر للسلطة على أنها اللحظة الحاسمة لتصعد إلى العرش، جنبا إلى جنب مع الإمبراطورة تشن وبدعم من اثنين من إخوة شيان فنج، الأمير جونج والأمير تشون، خططوا لانقلاب لإزالة مجلس القادة من الحكم، ورفض المجلس ولكن بسبب قيامهم بمفاوضات غير كفؤة مع "البرابرة" التى أدت فى الأساس إلى وفاة شيان فنج، كان هذا بالطبع خيانة عظمى وسجن خمسة من الرجال الثمانية، وأعدم واحد وانتحر آخران، وهكذا، بدأ عهد تسيشى – الإمبراطورة الأرملة.
فى هذه الفترة تعرضت البلاد لضغوط من مختلف القوى الأجنبية ، وتم تقسيم الوزراء بين أولئك الذين عارضوا الغربيين وأولئك الذين أرادوا تحديث الصين لتعزيز اقتصادها ، وكانت تسيشى واحدة من الذين أرادوا تحديث الصين ، ومن بين إنجازاتها إنشاء شبكة للسكك الحديدية لتعزيز التجارة الدولية مع الصين .
واضطرت تسي شى إلى التنحى رسميًا فى عام 1873م عندما بلغ ابنها سن الرشد، لكن الإمبراطور الشاب مات بمرض الجدرى بعد عامين من حكمه، ويعتقد البعض أن تسي شى من سممت ابنها بسبب حبها للسلطة ولكن لا يوجد دليل على وجود هذا، وعادت للسلطة مرة أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة