متى يقول الإنسان: "أشعر أن عيني قد امتلأت؟!"، هذا السؤال يعيش بداخلنا، ولكننا لا نذكره أو نتساءله، ربما لأنه جُزء من حياتنا اليومية، فعلى سبيل المثال، لو أن شخصًا يبحث عن النجاح وينشده، فهل هناك لحظة مُعينة يقول فيها الآن تشبعت من النجاح، وأشعر أنني أديت رسالتي على الوجه الأكمل؟ أظن أن تلك المسألة نسبية للغاية، فهناك من يكون مثل البحر، يرغب دائمًا في الزيادة، ويبحث عن كل ما هو جديد، حتى آخر لحظة في عمره، وهناك من يقف عند مرحلة مُعينة، ويقول: "كفى، أريد أن أستمتع بحياتي، ويكفي ما حققته من إنجازات".
ولذا، نجد البعض من المشاهير يعتزلون عند مرحلة مُعينة، ونجد كذلك بعض أصحاب القرارات يتنحون عن مناصبهم في توقيت مُعين؛ والسبب هنا يعود إما لعدم قُدرتهم على العطاء، أو لرغبتهم الشديدة في التعايش في سلام نفسي، بعيدًا عن صراعات العمل والنجومية ولعبة الكراسي.
وأيضًا الأمر بالنسبة للثروة والمال، فهل يُمكن للإنسان أن يكتفي بقدر مُعين من المال؟ للأسف، المال تحديدًا له سحر خاص على الإنسان، بحُكم الطبيعة الفطرية، واحتياجه المُستمر للمال، وقناعاته أنه سر الأمان في كل زمان، والدليل على ذلك أن القرآن الكريم ذكر أهمية المال في حياة الإنسان في الآية الكريمة: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، فتم تقديم المال على البنون، لذا ظل للمال أهمية خاصة لدى الإنسان، فلا يُمكنه التشبع منه، فهو في أقصى حالاته قد يشعر بالقناعة وعدم الطمع، ولكنه لن يقول له كلمة "كفى"، حتى في مشاعر الحُب، لا يُمكن للإنسان أن تمتلئ عيناه، فهو دائمًا ينشد أقصى درجات المشاعر، وعندما يهبه أحد الأشخاص مشاعر دافئة، تجده ينشد منه الأكثر، ففيضان الحُب لا ينتهي، ولا خلاف على أن الطمع غير منبوذ في الحُب، فهو حالة من الاحتياج الدائم واللامُتناهي، والرغبة فيه تتزايد كلما زادت المشاعر المُتدفقة.
ولكن الشيء الوحيد الذي يملأ عين الإنسان حقًا، هو قناعته بالشخص الذي يُحبه، فعندما تمتلئ عيناك بمن تُحب، تشعر أنك ملكت العالم بأسره؛ لأنك تكون على قناعة بصفاته، وملكاته، وشخصيته، وهنا تتمنى لو أنك وقفت أمام الدنيا، وأعلنت حُبك وقناعتك، وإيمانك بهذا الشخص، وتفضيلك له على كل من سواه، وهنا فقط ستقول: "لقد امتلأت عيناي أخيرًا".
بقلم
د./ داليا مجدي عبد الغني
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة