كانت الساعة الحادية عشرة، صباح الأحد 8 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1974، حين بدأت الجلسة الثانية للتحقيق مع الفنان الشيخ إمام عيسى، بعد القبض عليه والشاعر أحمد فؤاد نجم، ومحمد على من مسكنهم فى حارة «حوش قدم» بالغورية، كما تم القبض على 15 آخرين كانوا موجودين فى حجرة الشيخ إمام أثناء عملية القبض التى بدأت الساعة الثانية عشرة والنصف صباح 3 سبتمبر 1974، فى القضية المشهورة باسم «شرفت يانيكسون بابا»، حسبما يذكر الكاتب الصحفى صلاح عيسى، فى كتابه «شاعر تكدير الأمن العام، الملفات القضائية للشاعر أحمد فؤاد نجم»، مؤكدًا أن نطاق القضية اتسع ليبلغ عدد المقبوض على ذمتها 32 شخصا.
كان «نجم» و«إمام» يقدمان أغانيهما المعارضة منذ ستينيات القرن الماضى، وكانت محاولات القبض عليهما سبيلا لإسكاتهما، وكانت قصيدة «شرفت يانيكسون بابا» سببا فى تصميم السلطة على القبض عليهما، وكتبها «نجم» وغناها إمام بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكى نيكسون يوم 12 يونيو 1974، وكانت أول زيارة لرئيس أمريكى لمصر.
يذكر صلاح عيسى، أن «نجم» كتب قصيدتين بهذه المناسبة، الأولى «حسبة برما بمناسبة زيارة ابن الهرمة»، ليفضح زيف الأرقام التى أذيعت حول عدد المصريين الذين استقبلوا نيكسون، والثانية «شرفت يانيكسون بابا»، ويؤكد عيسى: «استفزت هذه القصيدة السلطات المصرية ربما بسبب المقطع الثانى منها، الذى يخاطب فيه الرئيس الأمريكى: «جواسيسك يوم تشريفك/ عملوا لك دقة وزار/ تتقصع فيه المومس/ والقارح والمندار/ والشيخ شمهورش راكب/ ع الكوديا وهات يامواكب/ وبواقى الزفة عناكب/ ساحبين من تحت الحيط/ وأهو مولد ساير داير/ شى الله يا أصحاب البيت».. ففضلا عن أنه يتهم فى هذا المقطع كل الذين رحبوا بالرئيس الأمريكى، بأنهم جواسيسه، فقد فٌهمت الإشارة إلى «الشيخ شمهورش» و«الكوديا» باعتبارهما إيماءة إلى الرئيس السادات، وزوجته السيدة جيهان، اللذين كانا يتصدران كل مواكب الترحيب بالرئيس الأمريكى».
بحثت أجهزة الأمن عن وسيلة قانونية لمعاقبة «نجم» على تأليف القصيدة، ويذكر صلاح عيسى، أن مباحث أمن الدولة كانت تتابع نشاط «سيف الغزالى» العضو القديم لحزب الوفد، وكشفت التحريات عن أنه دأب فى الفترة الأخيرة على عقد لقاءات سياسية ينتقد فيها الأوضاع السياسية، ويدعو إلى التعددية الحزبية، ويعمل على تكوين تنظيم يكون نواة لحزب سياسى، وأن «نجم» و«إمام» يعاونانه على تحقيق هدفه، وبعد مراقبة تحركاته، أصدر رئيس نيابة أمن الدولة العليا إذنا بمداهمة المنازل التى يتردد عليها «سيف الغزالى»، وكان مقررا تنفيذ أمر الضبط يوم 26 أغسطس 1974، وتأجل لأنه كان اليوم الأول لعرض فيلم «العصفور» إخراج، يوسف شاهين، واشترك فيه «نجم» و«إمام» بأغنية «مصر يامه يابهية».
تمت عملية القبض يوم 3 سبتمبر 1974، واقتيد نجم وإمام ومحمد على فى نفس الليلة إلى سجن القلعة، وبدأت تحقيقات النيابة مع الشيخ إمام يوم 4 سبتمبر 1974، ثم كانت الجلسة الثانية يوم 8 سبتمبر «مثل هذا اليوم»، وسأله المحقق فيها عن رأيه فى نظام الحكم وسياسة الحكومة، فأجاب بأنه مسرور من خطوة الرئيس السادات بتطوير الاتحاد الاشتراكى ليستوعب كل الشعب، وأن حرب أكتوبر عمل معجز وعظيم جدا، لكنه يعترض على زيارة نيكسون لأنه الشريان الذى يغذى إسرائيل بالأسلحة والمساعدات.
سأله المحقق عن الأغانى التى قدمها وفيها آراؤه السياسية فى الفترة الأخيرة، فأجاب، أنه من حرب أكتوبر وحتى التحقيق معه لحن أربع قطع لنجم، الأولى «دولا مين» وتمجد بطولات الجيش المصرى فى حرب أكتوبر، والثانية تنتقد الاتحاد الاشتراكى، وألفها نجم فى 20 أكتوبر 1972، وتقول: «عطشان ياصبايا/ وأنا عاشق ع السبيل/ عطشان والميه فى بلدى/ على عكس مايجرى النيل/ والنخل العالى مطاطى/ والجذع الواطى ذليل».
وأضاف: «لحنت قصيدة ثالثة وهى «شرفت يانيكسون بابا»، ولحنت قصيدة رابعة هى «نويت أصلى/ صرصور دخلى/ هرش لى مخى/قعدت أفلى»، وقال: «نسيت أن أذكر أنى لحنت للزميل «نجم» قصيدة بعنوان «اللى حاصل فى الحواصل».
سأله المحقق عن الأماكن التى يقدم فيها أغانيه، فأجاب: «غنيتها فى جلسات غنائية فى منزلى بالغورية، وعند بعض الناس زى فرانين فى حيّنا لأنهم اللى أقدر أتجاوب معهم.. سأل المحقق أسئلة أخرى، اختتمها بسؤال عن مضبوطات أوراق فى حجرته وكانت قصيدة «الكعكة الحجرية لأمل دنقل، و«المرجيحة» و«الجوع» لزين العابدين فؤاد، و«غنوة لعاشق السلام» و«غنوة للجنود» وفهرس لمجموعة أغانى أخرى، فأجاب بأن الشقة ليست شقته، والأوراق ليس لها أهمية، وأنه يعرف زين العابدين فؤاد ويزوره أحيانا، وهو يقول الشعر لكن ليس محترفا ولم يلحن له شيئًا.